بريطانيا لن تنتهج مسارا جديدا بدل بريكست

وكالة أنباء حضرموت

استطاعت المملكة المتحدة بعد ما يقرب من خمس عقود من الانضمام للكيان الأوروبي الجماعي اعتبارًا من الأول من يناير 1973، أن تغادر في الثلاثين من ديسمبر 2020، بعد أن وقَّعت على اتفاقية التجارة والتعاون، إلى جانب اتفاقية أمن المعلومات التي تسمح بتبادل المعلومات السرية مع الاتحاد الأوروبي؛ إذ جاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بعد نتائج التصويت على الاستفتاء الذي أُجرِيَ في الثالث والعشرين من يونيو 2016، والذي وافق على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52 في المئة.

وقد عملت الباحثة د. آية عبدالعزيز بوحدة الدراسات الأوروبية، بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية في دراستها الصادرة أخيرا عن دار العربي بعنوان “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأثره على السياسة الدفاعية والأمنية الأوروبية” على معرفة إلى أيِّ مدًى أثَّر خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي على السياسة الدفاعية والأمنية المُشتركة.

وتؤكد عبدالعزيز على أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي له تأثير نسبي على السياسة الدفاعية والأمنية المُشتركة؛ لكونها ما زالت تلتزم بنفس السياسات التي كانت تنتهجها قبل الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي ترتكز بشكل أساسي على سياسة “الارتباط الانتقائي” في تعاملها مع الاتحاد الأوروبي، ولاسيما في مجال الدفاع والأمن.

وترى أن المملكة المتحدة عملت على بلورة نمط تعاونها المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي، وخاصةً في مجال الدفاع والأمن، وَفقًا لما تقتضيه مصالحها، ويعزز من سيادتها الوطنية، وهو ما يتمثل في عدم وجود هيكل مؤسسي للتعاون بينهما، ولكنها ترغب في وجود أُطر مرنة للتنسيق بينهما في هذه الملفات، وهو ما تجسد في اتفاقية الخروج التي لم تشمل أي بندٍ متعلق بالتعاون المستقبلي بينهما في مجال الدفاع والأمن والسياسة الخارجية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتوضح عبدالعزيز أن المملكة المتحدة تتعامل مع تحديات الأمن الأوروبي ومهدداته، بعيدا عن التنسيق مع الاتحاد الأوروبي في مقابل التعاون مع الولايات المتحدة، علاوة على إمكانية التعاون الثنائي مع الدول الأوروبية، لكونها ترفض الدعوات المتكررة بشأن تأسيس “جيش أوروبي موحد”.

وحول السيناريوهات المُحتملة لنمط العَلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن تعزيز السياسة الدفاعية والأمنية المُشتركة، تشير عبدالعزيز إلى أن مركب الأمن الإقليمي الأوروبي لم يشهد تحولا جذريا بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، في ما يتعلق بتأثيرها على السياسة الدفاعية والأمنية المُشتركة؛ بمعنى أن التمايز بين الدول ما زال قائما، وعلاقات الصداقة أو العداء مستمرة في تشكيل علاقات الترابط الأمني، وهذا لا يعني أنه لم يشهد مجموعة من التغيرات التي تمثلت في طرح المبادرات الأمنية والدفاعية، إلى جانب تفعيل الترتيبات الأمنية التي سبق أن تم تحديدها بموجب معاهدة لشبونة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2009.

وتضيف أن هناك احتمالات لنمط التعاون المستقبلي بين المملكة المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتعزيز الأمن الأوروبي، قد تتخذ جملة من المسارات التي يمكن تنفيذها في نفس الوقت؛ بمعنى أنها ليست مُتعارضة. فما زالت المملكة المتحدة تعد شريكا جيوستراتيجيا مهما لا غنى عنه بالنسبة إلى الدول الأوروبية. ومن ثم، فإنه أيا كانت الشراكة التي قد تتخذها المملكة المتحدة أو توافق عليها، فمن المُتوقع أن تكون محل ترحيب، خاصة وأن لندن لن تنتهج مسارا جديدا بدلًا مما هو قائم بشأن الأمن الأوروبي.

وترى عبدالعزيز أنه من المتوقع أن تشارك المملكة المتحدة من خلال تعميق العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية لدعم الأمن والاستقرار في مركب الأمن الإقليمي الأوروبي؛ حيث أكدت المراجعة على أهمية تعزيز التعاون الثنائي بين المملكة المتحدة وشركائها الأوروبيين، وفي مقدمتهم فرنسا التي تتقارب مع المملكة المتحدة بشأن بعض الملفات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المُشترك، بالرغم من التوترات التي تشهدها العلاقات على خلفية تنفيذ اتفاقية الخروج.

علاوة على ذلك، تتمتع الدولتان بعلاقات تاريخية قوية، وتتشاركان ثقافة إستراتيجية مُتقاربة، عززت من تعاونهما الدفاعي والأمني، وهو ما تجلى في خوضهما عمليات تدريب مشتركة، وفي تأسيسهما لقوة المشاة المشتركة،وتجديد اتفاقية “لانكستر هاوس” التي أُضيف لها البُعد النووي.

وتتابع “أيضا من المتوقع أن تستمر المملكة المتحدة في تعزيز مشاركتها وزيادة إسهامها العسكري داخل حلف شمال الأطلسي، إلى جانب تحسين تعاونها داخله من خلال تنسيق التعاون السياسي إلى جانب التعاون الدفاعي والأمني مع الحلفاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وخاصة في ما يتعلق بالتهديدات والتحديات ذات الصلة بروسيا والصين، وبعض القضايا الأمنية ذات الأبعاد غير التقليدية، المُتعلقة بالابتكار والتكنولوجيا والتغيُّر المناخي والتهديدات الهجينة”.

وتلفت عبدالعزيز إلى أن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا تلعب دورا فعالا في حماية الأمن الأوروبي من خلال التعاون الثلاثي، على غرار تنسيق هذه الدول بشأن الملف النووي الإيراني، وذلك تحت مظلة ما يُعرف باسم مجموعة العمل الأوروبية E3؛ حيث بدأ التنسيق بين الدول الثلاث في عام 2003، بعد الغزو الأميركي للعراق. كما استمرت الدول الثلاث في التعاون حتى الآن، بالرغم من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؛ لكون هذه المجموعة تمثل إطارا أكثر مرونة.

وتلفت عبدالعزيز إلى احتمالية إقامة شراكات تعرف باسم “تحالف الراغبين”، حيث تقوم المملكة المتحدة بالمشاركة في تحقيق الأمن الأوروبي من خلال مشاركتها في بعض المبادرات الدفاعية والأمنية التي قد تُطلقها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا تستند إلى إطار مؤسسي، ولكنها ترتكز على إعلان سياسي يُوضِّح أهداف الدول الأعضاء من المشاركة في هذه المبادرة، على غرار “مبادرة التدخل الأوروبي” التي تمَّ الإعلان عنها من قِبَل فرنسا في عام 2017، وتشمل 13 دولة أوروبية، من بينها المملكة المتحدة، والتي تهدف إلى تعزيز الثقافة الإستراتيجية بين الدول الأعضاء.

وعليه، فإنها تُعد إطارا مرنا، ولكنه مُلزِم للدول الأعضاء فيها؛ لذلك يمكن أن تمثِّل هذه المبادرات فرصةً لمشاركة المملكة المتحدة في الجهود الأوروبية لتطوير السياسة الدفاعية والأمنية المُشتركة.