كيف أثرت الحرب في اليمن على الرياضة؟
منذ اندلاع الحرب في اليمن، تأثرت كل قطاعات البلد الذي تمتد حضارته للألفية الثانية قبل الميلاد، وبعد عشر سنوات لا يزال تأثير الحرب جليا في كل مناحي الحياة.
وكان تأثير الحرب مباشراً على الرياضة، في البلد الذي يحاول التنافس مع جيرانه رياضيا، في كرة القدم، الرياضة الأشهر في العالم.
المنتخب اليمني لكرة القدم لم يشارك في أي بطولة كبيرة، قبل الظهور في كأس الأمم الآسيوية عام 2019، كما لم يحقق الفريق أي انتصار طوال تاريخ مشاركته في كأس الخليج، أو في ظهوره بدورة الألعاب الآسيوية.
وبعيداً عن كرة القدم، فاليمن لم يظهر بالشكل المأمول في دورات الألعاب الأولمبية في كل الرياضات، منذ المشاركة الأولى والتي أتت متأخرة.
شمال اليمن ظهر في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، كما ظهر في سيول 1988 في بعثة منفصلة عن بعثة جنوب اليمن في الدورة ذاتها، وذلك قبل وحدة اليمن بدءا من أولمبياد برشلونة 1992 الذي شهد بعثة اليمن الموحد.
من دورة برشلونة وحتى أولمبياد باريس 2024، لم يشارك في الألعاب الأولمبية سوى 34 رياضيا يمنيا، منهم أربعة رياضيين فقط شارك كل منهم مرتين، ولم يحقق أي رياضي انتصارا أو تأهلا للدور الموالي، باستثناء انتصار وحيد في التايكوندو لتميم القباطي في دورة لندن 2012.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الرياضة اليمنية النهوض، قضت الحرب على أي أمل للنجاح، بتدمير البنية التحتية الرياضية للبلاد، ما أثر بالسلب على الرياضيين الواعدين الذين لديهم أمل للتطور، وباتوا في محاولات فردية من أجل محاولة التمثيل المشرف في أكبر محفلٍ رياضيٍ عالمي، دورة الألعاب الأولمبية.
في باريس ظهر أربعة رياضيين لحمل لواء اليمن، الذي رفعه العداء الشاب ذو الـ19 عاما سمير اليافعي في حفل الافتتاح، كما فعل والده محمد اليافعي في أولمبياد بكين 2008 بالصين، وكان عداءً أيضا.
اليافعي بالأساس لاعب مسافات متوسطة، ولكن جاءت مشاركته في منافسات 100 متر للاستفادة من البطاقة البيضاء التي حصل عليها اليمن في الدورة، ليشارك في المنافسات القصيرة، ويحطم رقمه الشخصي.
وعن الاستعداد للأولمبياد يقول اليافعي: "كان من المفترض أن نعسكر قبل الأولمبياد في تونس، ولكن للأسف تعثر المعسكر وأقمنا معسكراً في القاهرة لمدة أسبوعين، لأنه في اليمن لا يوجد مضمار ولا توجد أماكن للتدريب".
ويضيف: "في الحرب ضربوا الملاعب ولا توجد إمكانيات، هناك أبطال مشاركون في الأولمبياد (من دول أخرى) يستعدون منذ سنتين وثلاث سنوات، معسكرين ومستعدين بإمكانيات ومنافسات، ونحن للأسف لا يوجد شيء".
وعن الحرب يقول: "الأوضاع في اليمن صعبة بسبب الحرب، فلا توجد مشاركة في بطولات ولا منافسات، فقط تمارين في الشارع على الأسفلت، أيضا الحرب أثرت علينا بشكل معيشي، إذ كان أبي مدرسا وكان يتلقى راتبا، وبعد الحرب وضرب المدرسة الوضع تغير الآن".
ويشاطر رضوان شاني مدرب اليافعي لاعبه الرأي، وأكد ليس فقط على تضرر البنية التحتية، ولكن حتى على عدم وجود البيئة الآمنة لممارسة الرياضة في البلاد.
يقول شاني: "المشكلة أن الاتحادات ليس لديها دعم مالي ولا توجد إمكانيات رياضية في اليمن لا ملاعب ولا صالات، وحتى المطارات مغلقة، فالحرب أعادتنا للخلف سنوات طويلة، وتوقفت الأنشطة الرياضية بالكامل والبنى التحتية دمرت، ومظاهر العيش في اليمن شبه معدومة".
ويضيف: "عندما اندلعت الحرب لم يكن أمامي خيار إلا أن أغادر بلدي، فاتجهت إلى قطر لممارسة التدريب هناك، نحاول قدر المستطاع أن نبقي على نفس في الحياة بالنسبة للرياضة، على أمل أن تتعدل الأوضاع وأن تتوقف الحرب في بلادنا ونبدأ من الصفر لمرحلة جديدة، ونستطيع أن نقدم ما نطمح إليه للأجيال القادمة".
تأثير الحرب على الرياضة كان سلبيا من كل الجوانب، إذ تضررت ملاعب كل الرياضات، ومنها السباحة التي شارك منها يوسف ناصر في أولمبياد باريس، الذي يبلغ من العمر 16 عاما فقط، ليصبح أصغر سباح عربي في هذه الدورة.
ورغم صغر سنه وقلة خبرته، إلا أنه أيضا استطاع أن يحطم رقمه الشخصي، رغم أنه أنهى سباق 100 متر فراشة في المركز الـ40 والأخير، بفارق أكثر من ثماني ثوانٍ عن المركز الذي يسبقه.
يقول ناصر: "هو فخر أن أشارك باسم اليمن، وأن أكون أصغر لاعب بين كل السباحين العرب، ولكن كل المسابح تدمرت ولم يعد لدينا إلا مسابح غير أولمبية، فالحرب أثرت كثيرا ليس فقط عليّ ولكن على كل اللاعبين باليمن".
ويضيف: "لا توجد لدينا إمكانيات كالسباحين الكبار، كمدلك أو مدرب خاص أو مدرب لياقة، أعتمد على نفسي فقط، بمساعدة كابتن فؤاد الذي ساعدنا في الأمور الفنية في السباحة فقط".
فؤاد ياسين، مدرب منتخب اليمن للسباحة، اضطر لإدخال السباحة في المياه المفتوحة لخمسة كيلومترات إلى اليمن، لعدم وجود مسابح أولمبية بمسافة 50 مترا.
يقول ياسين: "لا توجد مسابح قانونية عندنا للتدريب، وكنا ندرب اللاعب على مسبح 11 مترا، أيضا الإقبال على الرياضة في اليمن انخفض لأنه لا يوجد الأمان والراحة للتدرب، أو الذهاب لأماكن التدريب التي أكثرها تعرض للقصف".
ويضيف: "أنا أنحت في الصخر، وأسست لعبة السباحة المفتوحة في عدن على البحر لمسافة خمسة كيلومترات، وأصبحنا نقيم البطولات في سباحة المياه المفتوحة، والآن المهم أننا وصلنا للأولمبياد، والمشاركة هي للمشاركة وليس للفوز بالبطولات أو الميداليات".
هشام مكابر لاعب الجودو اليمني ذو الـ20 عاما خسر في باريس أمام لاعب جامايكي، بريطاني الأصل، فاز ببرونزيتين في بطولة أوروبا من قبل مع ذهبيتين في دورة ألعاب الكومنولث.
إلا أن مكابر نال استحسان الجماهير اليمنية، بعد صموده لفترة طويلة أمام لاعب جامايكا الخبير، رغم عدم استعداد الأول بشكل كافٍ قبل الدورة.
يقول مكابر: "قصفوا الصالات، وملعب الثورة، وحاليا نتدرب جودو في صالة بصنعاء البساط فيها قديم وغير مناسب".
وعن المشاركة في الأولمبياد يقول: "عرفت أنني سأشارك في الأولمبياد قبلها بعشرة أيام فقط، عشرة أيام في مصر حتى لم نكن نتدرب باستمرار لأننا كنا نتوجه للسفارة لمتابعة التأشيرات، ولم يكن الاستعداد كافيا".
أما مدربه زياد ماطر فيرى أنه حتى لو لم يكن الاستعداد كافيا، فتكفي المشاركة في الأولمبياد لإرسال صوت اليمن للعالم، ويقول: "وجودنا هنا هو أكبر مشاركة، وكل الرياضة في اليمن ترسل رسالة حب وسلام وأخوة للعالم كله".
ويضيف ماطر: "اليمن أرض حضارة وتاريخ وأرض معطاءة، ونسعى الآن من أجل الأولمبياد القادمة من أجل الرياضة، ومن خلالها يحل السلام والخير والأمن والأمان في العالم، رسالة حب للجميع ورسالة تضامن ورسالة عطاء".
ياسمين الريمي لاعبة المنتخب اليمني للرماية، كانت قد شاركت في أولمبياد طوكيو 2020، واحتلت المركز 52 بتسجيل 551 نقطة، قبل ثلاث سنوات من ظهورها في باريس، واحتلال المركز 40 بتحقيق 559 نقطة، ما يعني تحسن مستواها، رغم أنه لم يكن هناك إعداد بالأساس.
تقول الريمي: "بدأ الاستعداد لباريس بعد طوكيو مباشرة، لأن المشاركة في الأولمبياد هو حلم أي رياضي، ولشح الإمكانيات في اليمن وظروف الحرب شاركت في القليل من البطولات العالمية، واعتمدت في تدريبي على متابعة الأبطال الدوليين عبر الإنترنت".
الريمي كان من المفترض أن تعسكر بتونس قبل أولمبياد باريس، ولكن بعد تعثر المعسكر لعدم استطاعتهم استخراج التأشيرات، اتجهت مع بقية أعضاء البعثة اليمنية لمصر، وهناك اضطرت لتسليم سلاحها في الجمارك، ولم تستطع أن تخرجه طوال فترة تواجدها في مصر، ما اضطرها للتدرب دون سلاح.
تقول أمل مدهش مدربة المنتخب اليمني للرماية: "اضطررنا للجوء لتمارين الإحماء فقط والتدريب الجاف، ولم نتدرب بأي سلاح آخر، وحتى قبل السفر كان من الممكن أن تسافر ياسمين دون سلاحها بسبب الإجراءات".
وعن ساعات ما قبل السفر لباريس تقول الريمي: "في المطار واجهت صعوبات كبيرة رغم وجودي هناك قبلها بيوم، وبعدما أكدوا عليّ أن الإجراءات يوم السفر ستكون سهلة، فوجئت بتعقيدات قد تضطرني للتأخر ليوم أو يومين آخرين، حتى بكيت قبل الإقلاع لعدم تدريبي خلال وجودي في القاهرة، ثم إغلاق باب الطائرة في وجهي وعدم إمكانية سفري رغم نقل السلاح للطائرة، قبل أن يفتحوا باب الطائرة ويسمحوا لي بالسفر".
وتضيف: "لم أمسك بسلاح لمدة شهر، ولكنني قررت أن أتحدى كل المعوقات والصعوبات، وتدربت بشغف ليومين فقط، ولم أستسلم لرهبة المنافسة مع أبطال آخرين، وكان هدفي أن أشرف بلادي حتى ولو بإمكانيات ضئيلة".
وعن عدم جاهزية ياسمين تقول مدهش: "لم تكن ياسمين جاهزة، وفي أيام القصف لم تستطع التدرب في اليمن بسبب الأوضاع غير الآمنة، فضلا عن عدم توفر الإمكانيات التي يحتاجها أي رياضي، وحتى لا يوجد لدينا ميدان رماية".
المشاركة في حد ذاتها هي الهدف من الوجود اليمني في الأولمبياد، إذ إن الإمكانيات الحالية لا تساعد الرياضيين الواعدين، الذين يرغبون في تحسين النتائج السابقة، والتي لم تشهد نجاحا في الألعاب الأولمبية.
ويتفق السفير اليمني في فرنسا، رياض ياسين، مع هذا الرأي ويقول: "بالرغم من كل الصعاب، وبالرغم من الوضع الاستثنائي في اليمن، لكن المشاركة في الأولمبياد هي بطولة في حد ذاتها بالنسبة للأوضاع الحالية".
ويؤكد على كلام المدربين واللاعبين قائلا: "لا توجد أي ملاعب أولمبية في داخل عدن، تهدمت معظمها وللأسف لا توجد أي مراكز للتدريب في الوقت الحاضر".
معاناة الشعب اليمني تتجسد في مشاركة البعثة اليمنية في أولمبياد باريس 2024، إذ عانى مزيج الشباب والخبرة من الكثير من المعوقات، بدءاً من عدم وجود بنية تحتية بالأساس لمحاولة تحسين مستوياتهم، مرورا بعدم الاستعداد بشكلٍ كافٍ للظهور بشكل مشرف في الأولمبياد، إلا أنهم حاولوا، واستطاعوا في النهاية أن يحسنوا من أرقامهم، لتكون بادرة أمل، في أن تعود الحياة للرياضة اليمنية من جديد.