مدرسة «ابن سينا» بفرنسا.. جلد إخواني يتلون
«مدرسة ثانوية للتعليم الإسلامي»، هذا ما يكتبه القائمون عليها في لوحة بيضاء معلقة بأعلى جدران مبناها بمنطقة فقيرة في مدينة نيس الفرنسية.
مدرسة خاصة، لكن لا أحد حتى الآن، بما في ذلك السلطات، يعرف مصادر تمويلها، وكيف تدفع نفقاتها لتؤمن سير دروس نحو 100 طالب ممن يرتادونها.
لكن المؤكد هو أن لهذه المدرسة «روابط مباشرة» مع ما كان يعرف بـ«اتحاد المنظمات الإسلامية»، وبالتالي مع تنظيم الإخوان، وتحديدا إخوان فرنسا.
العلاقة عضوية، بحسب ما أكده في تصريحات سابقة، المستشار البلدي في نيس فيليب فاردون، وهو أيضا الممثل المنتخب للمدينة عن حزب «الاسترداد»، رغم محاولة القائمين عليها نفي ذلك بشتى السبل.
ومع أن المدرسة حاولت جاهدة البقاء بعيدا عن الجدل المتنامي في فرنسا حول مخاطر مثل هذه المدارس على أمن البلاد واستقرارها، إلا أن قانون 2021 لمكافحة النزعة الانفصالية، أسقط عنها القناع.
تزامن ذلك مع تعالي الأصوات الفرنسية المحذرة من تزايد أعداد المنتمين لتنظيم الإخوان بالبلاد، وما يمثله ذلك من خطر على المسار الديمقراطي، علاوة على تأثيراته الوخيمة على التركيبة الديمغرافية المستقبلية.
والقانون المذكور يلزم المؤسسات غير المتعاقدة بإبلاغ الإدارة بمصدر تمويلها، وهذا ما شكل كابوسا للقائمين على مدرسة ابن سينا في نيس، حيث تخبطت جمعية ابن سينا المنبثقة عن اتحاد مسلمي الألب البحرية (أومام) والتي تدير المدرسة، في الرد على الأسئلة.
وكما كان متوقعا، لم تكن الجداول معدة على النحو اللازم لفترة طويلة، ولم تكشف سوى أسماء عائلات المساهمين سواء كانوا أولياء أمور الطلاب أو المتبرعين.
ومع أن الجمعية حاولت الإيهام بأن الفئة الأولى تدفع 200 يورو شهريا عن كل طالب، وأنها تعتمد بشكل كبير على الفئة الأخيرة لتغطية ميزانيتها، لكن عملية مقارنة بسيطة بين الإيرادات والنفقات تظهر خللا واضحا، ليس في الحسابات بل في مصادر التمويل نفسها.
وبناء على ذلك، تم إعلان قرار إغلاق مدرسة ابن سينا في 26 فبراير/شباط الماضي من قبل وزيرة التربية الفرنسية نيكول بيلوبيه، وأمر بتطبيقه محافظ مدينة نيس أوغ مطوح في 14 مارس/آذار المنقضي.
عدم شفافية
لكن المحكمة الإدارية في نيس فاجأت الرأي العام الفرنسي بإلغائها الثلاثاء الأمر الصادر بإغلاق المدرسة، معتبرة أن الأخطاء في حسابات المؤسسة لا تبرر اتخاذ مثل هذا الإجراء النهائي.
وذكرت المحكمة الإدارية في حكمها في الجوهر "إذا كانت الجداول والمستندات التي قدمتها جمعية ابن سينا للأعوام 2018 إلى 2022 تنطوي على أخطاء ومغالطات، فإنها لا تشكل مخالفات (..) تبرر الإغلاق النهائي للمؤسسة".
وأعلن محامي المدرسة سيفين غويز غويز "خرجت مدرسة ابن سينا أقوى من هذه المحنة"، مؤكدا عزمه العودة إلى المحكمة للتنديد برفض طلبات توقيع المدرسة على عقد مع الدولة.
وردت الدائرة المسؤولة في بيان مقتضب: "أخذنا علما بقرار المحكمة الإدارية فيما تعتبر أن عدم شفافية حسابات المدرسة التي اعترفت بها المحكمة يطرح مشاكل حقيقية في نظر قانون مكافحة النزعة الانفصالية".
معول إخواني
تقع هذه المدرسة الثانوية الخاصة في منطقة فقيرة بمدينة نيس، وافتتحت عام 2016 وتستقبل حوالي مئة طالب، ويتوقع ارتفاعهم العام المقبل إلى 130 مع افتتاح فصل ثان للصف السادس.
وقعت المدرسة تحت الأضواء حين تحدثت وزيرة التربية الفرنسية نيكول بيلوبيه، في فبراير/شباط الماضي، على غموض تمويل هذه المؤسسة القرآنية.
معطيات غير شفافة أكدتها إدارة نيس وولاية ألب-ماريتيمز، قبل أن يفتح مكتب المدعي العام في نيس، لاحقا، تحقيقا أوليا بتهمة "خيانة الأمانة".
وفي مذكرة اطلعت عليها صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، تطرق محافظ نيس أوغ مطوح إلى "المخالفات الصارخة" و"رفض الشفافية المالية من إدارة" المدرسة، رغم مطالبة المدرسة في 4 مراسلات على مدى عامين، بتقديم معطيات حول مصادر تمويلها.
المدرسة التي افتتحت بمبادرة من عثمان عيساوي، وهو أيضا رئيس اتحاد مسلمي جبال الألب البحرية، بدأت بفصل دراسي واحد فقط للصف السادس في مبنى صغير بشارع دو جنرال ساراميتو.
وحتى عام 2018، يتم فتح فصل دراسي واحد في المستوى الأعلى سنويًا. وفي نفس العام، ومع الفصول الدراسية حتى الصف الثالث، نظرت إدارة المدرسة في إبرام عقد شراكة مع التعليم الوطني الفرنسي، لكن وبسبب نفس الإشكال المتمثل في عدم وضوح الميزانية، يتم رفض الطلب، لتظل غير متعاقدة.
ولاحقا، انتقلت هذه المؤسسة غير التعاقدية إلى منطقة أريان بحثا عن مبنى أكبر، وحاليا، يتكون فريق التدريس من 20 معلمًا، بينهم المدير الحالي إيدير عرب، وأربعة مساعدين تعليميين.
واللافت أن افتتاح المدرسة لاقى معارضة حتى من رئيس بلدية نيس نفسه، وهو الموقف نفسه الذي تبناه مستشار البلدية، والممثل المنتخب للمدينة فيليب فاردون.
وندد فارون بـ"الروابط المباشرة لهذه المدرسة مع اتحاد المنظمات الإسلامية السابق، وبالتالي مع الإخوان".
ناقوس خطر
تعد فرنسا من أكثر بلدان أوروبا عرضة لتغلغل الإخوان بمفاصلها، خصوصا عبر الجمعيات والمدارس، وهذا ما جعلها تدق ناقوس الخطر قبل شهرين، تأهبا لمواجهة مد التطرف الذي يهدد علمانيتها.
ففي مايو/أيار الماضي، استشعر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مخاطر الأصوات المحذرة من الإخوان، وكلف اثنين من كبار موظفي الخدمة المدنية بإعداد تقرير حول الإسلام السياسي والإخوان، لتقديمه في الخريف المقبل.
تحرك جاء في وقت رفع فيه تقرير للكاتبة والباحثة الفرنسية هيلين دي لوزون وتيرة المخاوف، بكشفها أنه منذ عام 2019 زاد عدد أعضاء تنظيم الإخوان في فرنسا من 50 ألفا إلى 100 ألف.
والأرقام قدمتها الباحثة نقلا عن تصريحات خبير استخباراتي فرنسي لصحيفة “لو جورنال دي ديمانش”، محذرة من تزايد الأدلة على تغلغل الإخوان في الحياة الفرنسية بشكل شبه يومي.