قصة قصيرة

العبور الى غزة

أحمد الجعشاني
وكالة أنباء حضرموت

يمضى النهار بطيئا يسحب معه قرص الشمس الوهج ، كما يعقبه الليل بظلامه السديم في هذا الحاجز الملعون الذي يفصل غزة عن العالم ،ضجر أياد من جلوسه  منتظرا فوق الحافله ، منذوا ساعات قرب الحاجز الأمني في المعبر ، وهو مغمضا عينيه مطبقا جفنه عليها و يحدث نفسه ، يالها من رحلة طويلة قبل يومين فقط كنت في مطار الرياض ، كلهم طلبوا مني ذلك أبي وأمي وعمي وعمتي في غزة ، لم اعد أذكر الكثير من ملامح وجهها ، لكني لم أنسى عيناها العسليه كان مثل لون شعرها الاصفر البني الداكن ،كنا صغار ونحن نستبق ونجري الى المزرعة ، غابة كثيفه من أشجار الزيتون ذات أوراق مستلقية تبللها زخات تهطل من السماء ، كما تبلل شعرها البني فيميل على كتفها وتلتصق خصلات شعرها الناعمه على خدودها المحمره ، فتبدوا مثل حورية جأت من البحور السبعه .

  توقفت الحافلة أمام الحاجز في المعبر ، أسلاك شأئكه وتحصينات مثل الجيوش المتحاربة ،  تفتيش دقيق ومرهق من أفراد جيش الاحتلال ، كلاب مدربة يتعبها الجنود تتشمم المبعدعين عن غزة ورجال المقاومه ، لازال الحصار قائم منذوا سنوات الكل يدخل بتصريح ويخرج بتصريح ، أن تعود الى بيتك الى اهللك وبلدك الى ارضك التى نشأت فيها ، تحتاج منهم  إلى أذن دخول وتصريح ، مغلوبين على أمرنا نموت فيها كل يوم ، كما نحيا فيها كل يوم ، لم تعد أصوات القنابل والصواريخ تفزعنا ، تمر علينا كصواعق الشتاء حين ينهال المطر فوقنا ، كنت أكتم الأنفاس وأنا في حضن أمي ، فأسمع وقع خطوات الاقدام الحديديه تجوب في غرفنا ، تفتش تحطم كل شئ يتركون الخراب بعدهم ، يحدث هذا في الحرب لكن غزة كل يوم حرب هي دائما حرب لاتتوقف ، قدرنا أن نولد ونعيش ونموت في الحرب ، ممزقين مبعدين وأشلاء مبعثرة على الارض ، لكننا نعود نحيا كل يوم وكأن الارض تنبت أبنائها من جديد .

 عدل أياد من جلوسه ودنئ براسه من زجاج النافذة، سمع صراخ الاطفال ونساء يبكون ويتشاجرون مع عسكر الاحتلال ، رأى منظرا مقززا الى نفسه عائلة كامله بنسائها وأطفالها ينزلون من الحافله ، بكاء النساء وعويل ألاطفال وصياحهم لن يجدي نفعا أمام عسكر الاحتلال، ربما لم تكتمل الاوراق الخاصة بهم وتصاريح الدخول  لديهم ، أو أن أسم العائله من أسماء  المبعدين عن غزة ، لا أعرف كيف يبعد المواطن عن وطنه لمجرد أنه أحب وطنه ، نظام قمع جديد أستخدمته سلطة الاحتلال في غزة ووافقه العالم فيه ، هكذا هم يشكون في كل شئ الخوف يهزمهم ، ولا شئ غير الخوف يهزمهم .

عاد أياد واغمض عينيه وأطبق جفنه ، ياترى كيف أصبحت ألان بعد كل هذه السنوات ، هل نضجت حبتي الرمان في صدرها ، وتفتح جسمها الناصع البياض ولون شعرها الذهبي هل لازال مثل لون عينيها العسليه ، اتذكر ابتسامتها العذبه تسحرني وهي تقضم حبة الزيتون بفمها الصغير ، من يبالي ألان أن كنا مغرمين أو لا ، لقد مضت سنوات طويله منذوا أفتراقنا ، من يبالي رغم الحرب التى لم تتوقف رغم الجروح والحزن الدائم لازلنا في انتظارها ، ذهبت السنوات ومضت ألايام معها ولازالت أيام العرس في غزة هي هيا كنت أفرح واشدوا الاهازيج معها فهي لم تنتقطع أبدا ،  ترقص النساء الدبكه كنا يقفن في صفا واحدا ملتحمات الايادي يظربون ألارض بأرجلهن ، نحن هنا فتستجيب الارض لهن .

كان صوت الكلاب أهوج وقوي ويسعر كأنها قادمه الى معركه ، فتح أياد عينه المغلقه  رأى الجنود يصعدون الحافلة يتقدمهم الكلاب المدربه ، أمرنا الجندي الاسرائيلي الواقف في الباب الخلفي ، أن ننزل واحدا تلوا ألاخر دون ألامتعه والحقائب عدأ جوازات السفر وتصاريح الدخول فقط ، ما أن نزلنا من الحافلة ركضت الكلاب  تطوف وتجوب حول الحقائب والامتعة، بينما نحن تحت وقفنا في طابور طويل للتفتيش جسماني دقيق ، بعدها لم يتركونا نمضي الى الحافلة ضللنا واقفين أكثر من ثلاث ساعات ننتظر، لم يتركوا مسمارا في الحافلة حتى تحشر الكلاب أنفها فيه ، وتنزل وتطلع بحثا عن أي شئ يخالف قوانينها ونظامها ، أرهقنا وتعبنا من الوقوف فجلست النساء والاطفال على الارض ، فجاء الجندي الإسرائيلي مشيرا بيده الى أياد طلب جواز السفر والتصريح ، ناوله أياد جواز سفره وتصريح الدخول ، سمح للبقية الركاب بالعودة الى الحافلة فردا فردا ، كنت منهكا متعبا من الوقوف ، حتى عاد الجندي مرة أخرى أشار بيده الى أياد بأن يتبعه ، قال له الجندي ألست أنت الكاتب أياد ، نظر أياد اليه متعجبا اليه ، قال الجندي  لايمكنك الدخول الى غزة .. أنت من ضمن  المبعدين من الدخول الى غزة .