قصة قصيرة

لن يطول أنتظارك

ارشيفية

حفظ الصورة
أحمد الجعشاني
وكالة أنباء حضرموت

في اللحظات القليلة .. التي كنت أجلس فيها ، أمام البيت مقعدا علي كرسي متحرك . وقت الأصيل ، تكون الشمس قد افلتت ، وتبحث  لها عن مكانا ، تختبئ فيه خلف السحب المتراكمة . وانا ارى تلك النظرات من عيون الاخرين ، وهم يمرون من امامي . ولايكتثرون او يحسون بوجودي . مثل شئ جامد ليس فيه روح . حجر من حجار الارض . او  عمود نور ثابته ، او سيارة متوقفه امام منزل . حينها كانت تتملكني الشفقة على نفسي . والرغبة في البكاء كنت اريد أن اصرخ كا المجنون . لكني اظل صامت هنا وحدي ، بمشاعر مؤلمة وبنبرات الحزن و الاسئ واحاسيسي الممزقة . لم أكن أعلم اني خارج نسيج هذا العالم . ولا يحق  لي  الصحبة مع الاخرين ،  للعب معهم او للحديث معهم . فا أنا لست مسؤلا اني خلقت بخلل عضوي ولدت به . ولست مسؤلا عنه . اي عالم هذا الذي لا يبالي ، ولا يكثرث لشخص مقعد معوق . بحاجة إلى عالم اخر . يغوص فيه ، يتفاعل معه ويشاركه حياته . كنت لا اجد نفسي الا في الاحلام . عالم من الخيال حياة اخرى . موجودة في مخيلتي ولكنها لا تكفي . أما هذا العالم الحقيقي المنقطع عني . فاجد نفسي مقهور فيه ، عاجز لامكان لي بين الاحياء . فقدت طعم الحياة بكل الوانها . أجدهم يضحكون يلعبون يركضون ،  تأخذهم الاماني . وأنا أسمع خلجات أنفاسهم مثل ضربات الفأس . تحفر جسدا متهالك  في معركة الحياة ..


عندما تكون معاق وجسدا لا يستطيع الحراك . لن تأتي المعجزة في  ولد صغير عاطل عن الحركه . هكذا ولدت وهكذا وجدت نفسي . جثة هامدة لا تستطيع الحراك . ولكن ليس كل الامهات مثلك .. ياأمي . منذو ولدت وأنا مخلوق معوق مشوها . لكني كنت لابث  بين احضانك . يمتص رحيق تدثيك متشبت بالحياة. وهو لا يعلم انه نكرة في هذا العالم المترفع . كنت منبوذا صغيرا  . في بلد ليس فيه مكان للمعاقين . مجتمع يتأفف من المشوهين خلقا . لايحتاجه وليس له مكان بين الاسوياء . لو كنت غادرت هذا العالم لم ينتبه لي احد . سيقولون ارتاح .. وأراح .. ينظرون الناس الى المعاق بالاسئ والحزن . بعين الرحمه والشفقة . وهم يلوون رؤسهم من التأفف . لكنك لا تستطيع التحكم بمشاعر الاخرين . ان نظرات الناس هي اكثر ايلاما و اذئ  من الاعاقة . قد لا أستطيع أن اسرد لك حياتي كلها . ولكن هناك أشياء كان عليا البوح بها  ..

 

كنت لا أستطيع أن اتعلم الاشياء ، بنفس الطريقة التي يتعلم الاخرون بها . كانت هيا الوطئة التى حملت على عاتقها كل ذلك . هي الام و الطبيب والمعلم والمرشد .  هي من كانت تحملني بين ذراعيها وأنا صغير يتوسل ثديها . وهي من تضعني في الحمام وتغسلني من الاذى . رغم بلوغي سن الثلاثين عام . رجل ولكن اي الرجال أنا . وهي من تلبسني الثياب وتضع العطر في اكناف ثيابي . وهي من تضعني على السرير عند النوم  . اه كم كنت  عبئ ثقيلا عليك يا امي . أعرف انها ليس شفقة ولا منة منها . كان ذلك هو الحب .. حب الغريزة والامومه التى خلقها الله فيها . ولكن ليس كل الامهات مثلك يا امي ... 

حين رفضتني المدرسة .. لاني لا أستطيع أن اتعلم ، بنفس الطريقة التي يتعلم بها الاخرون ..ولا يمكن للنظام ان يتغير لأجلي . لكنها  ادخلتني المدرسه بعد أن رفضتني المدارس كلها .. لاتوجد مدارس خاصة لذوي الاحتياجات في بلد فقير يعاني من كل شئ . لكن باصرارها وعزمها ورجائها وتوسلها للمسئولين .. دخلت المدرسه . فكنا نذهب معا سويا ونعود معا سويا . وفي الطريق كانت النظرات مؤلمه وهي ترمقنا . الا نظراتك انت . كانت هي من تجاملني بابتسامة منها . ليس من شى في هذا العالم مثل امي . لولا امي ما اكملت الطريق في هذه الحياة . لولا امي ما استطعت المشى ولو قليلا الى دورة المياه . ولولا امي ما أستطعت الجلوس على هذا  الكرسي المتحرك . ولولا أمي ما استطعت القرأئة والكتابة .  


كنت أسال نفسي دوما ، لماذا الموت اختارك انت من دون العالم . لم أكن أعرف الموت من قبل . كنت اراه شيئا عاديا حين يمس الناس الاخرين . لكنه جاء فجأة ودون انذار . مثل الصدمة التى لم يكن أحدا  يتوقعها. ويالها من صدمة . نهاية لم اكن اتوقعها . الم يعلم الموت أنه أخطأ الطريق اليك . لماذا لم يصوب سهامه الى جسدي المنهك الذائب الذي لايقوى على شئ .. الا بك . لماذا أختارك أنت ، أذا مافائدة الحياة دونك . يااااااه لقد قتلتني أنا ايضا أيها الموت . ويالها من طريقة لقتلي أيها الموت . أطفأة النور الذي كان يضئ . لم أعد ارى الاشياء بعدك . لقد أظلم الكون أمامي ، لا أرى شئ كل شئ حولي أصبح ظلاما. فأنا لست أنا من دونك . أنا من بعدك  لا اكون أنا .وهل للكون شئ بعدك .كنت ارى العالم بعينك أنت . أنت الحياة بعد ان رفضتني . كنت أعتقد أني قادر على الحياة من دونك . ياه كم كنت ساذجا . لا أعرف شئ مافي الحياة . لم استطع أن أفعل ماكنت تفعلين . كنت تذهبين العمل في الصباح كل يوم . وتعودين ومعك كل تلك الأشياء. كنت اعرف أنها أشياء نحتاجه نحن ويحتاجه البيت . ولكني أجهل كيف تبتاعيها . حتى ذلك الرجل الجشع  صاحب البقالة الذي تشتكين منه كل يوم وهو يزيد في السعر . أعتذر لي اليوم وهو يبيع لي الحليب  وقدم لى نصيحه . وقال لماذا لم تذهب الى دار رعاية للعجزة . كلماته كانت صادقه ولكنها قاسيه  أوجعتني كثيرا . وجارتنا التى كانت تأتي لتأخذ الاطباق ولا ترجعها . في البدايه كانت تجلب لي الطعام ثم توقفت . لااعرف لماذ . ولا ألوم أحد على شئ . الشئ الوحيد الذي استوعبته.  أني اصبحت  عاله على الناس . شخص عاجز يحتاج من يخدمه ويرعاه . أنها الحقيقة الذي تغافلت عنها يوما. ولكن الحقيقة أني انتهيت لحظة موتك .. كنت أعرف أنها النهاية . أذا كان الموت أختارك . فأنا أيضا سأختار ان اكون معك . لن أبقئ عالة مشوها لايتقبلها الناس . لهذا أخترتك أنت .أنتظريني أني قادم اليك ..  أوعدك . أوعدك .. انه لن يطول انتظارك لي .