الحركة تعاني عجزا سياسيا
النهضة بقيت للغنوشي هيكلا عظميا بلا لحم من الفاعلين المهمّين
حوّلت استقالات جديدة من أعضاء مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية الحزبَ إلى ما يشبه هيكلا عظميّا بيد رئيسه راشد الغنوشي بعد أن استقال منه العشرات إما بشكل معلن أو سري، ولم يبق داخل الحزب سوى من يدعمون رئيس الحركة ويستفيدون من بقائه، في الوقت الذي تجد فيه الحركة نفسها في وضع يهدد بقاءها قانونيا على ضوء قضية اللوبينغ وتقرير محكمة المحاسبات.
وقالت أوساط مقربة من الحركة إن الاستقالات الجديدة تعبر عن خيبة أمل واسعة لدى من تبقى من قيادات الصف الأول والثاني، وهو شعور ناتج عن حالة العجز التي تعيشها الحركة سياسيا في ضوء متغيرات ما بعد الخامس والعشرين من يوليو وفي غياب أي حوار بشأنها داخل مؤسسات الحركة وتحكم الغنوشي والمقربين منه في القرار السياسي.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن المنسحبين الحاليين كانوا يراهنون على أنه يمكن الإصلاح من الداخل، وأن الاستقالات السابقة ستفرض على الغنوشي أن يمر إلى المؤتمر بالسرعة الضرورية لإعادة الثقة في مؤسسات الحركة وطمأنة الشق المعارض بأن التغيير ممكن، لكن ذلك لم يحصل وبدا أن رئيس الحركة قد استحسن غياب خصومه البارزين، وهو ما قاد إلى انسحاب أسماء بارزة جديدة مثل محمد النوري والقيادي التاريخي صالح بن عبدالله وعبدالرؤوف النجار والعربي القاسمي وناجي الجمل.
وأعلن المستقيلون الجدد في رسالة ينتظر أن يتم الكشف عنها الثلاثاء أنهم ما عادوا ينتظرون شيئا من المؤتمر، ووصفوه بأنه “استعراض شكلي وصوري” يسعى “لتثبيت نفس الوجوه وتكريس نفس المنظومة”، مطالبين من أسموهم بـ”قيادة الصف الأول” -مثل الغنوشي وعلي العريض ونورالدين البحيري- بعدم الترشح للمؤتمر.
ونبه هؤلاء الذين أعلنوا تعليق عضويتهم في مجلس الشورى إلى أن الاستمرار في ما أسموه بـ”سياسة التجاهل والهروب إلى الأمام” لن يزيد الطين إلا بلة، مشيرين إلى أن مبادرات المراجعة والتقييم والتصحيح انتهت كلها في الرفوف وأتى عليها الإهمال وحتى إن تم تبنيها فقد ظلت إجراءات شكلية لاحتواء الضغط وليس للتصحيح.
وكشفت الرسالة التي نشرها موقع “الشارع المغاربي” عن أن نزيف الاستقالات بدأ فرديا ثم تفاقمت الظاهرة وتحولت إلى استقالات جماعية. كما ذكرت أن قيادة الحركة أقدمت على غلق ما يزيد عن 80 في المئة من المقار في المحليات، وكل هذا أدى إلى “الانسحاب الصامت للكثير من القيادات والمناصرين”.
ويعتقد مراقبون أن النهضة لم تعد قادرة على إخفاء أزمتها الداخلية ولا التحكم فيها، وأن خروجها إلى العلن في صورة صراعات و”مناكفات ومشاحنات” -كما جاء في بيان المستقيلين- يؤكد أن الحزب المتماسك في بداية الثورة سيتشظى إلى مجموعات صغيرة، هذا إن حافظ على نشاطه القانوني.
وقال المراقبون إن النهضة صارت شبه متأكدة من أن حزبها سيتم حله بشكل قانوني استنادا إلى نتائج تقرير محكمة المحاسبات، ولذلك بادرت بعقد مؤتمر صحافي حضره عدد من المحامين المنتسبين إليها، وسعوا إلى نفي أي حديث عن حل الحزب، وبلغ الأمر درجة نفي اتهامات تقرير محكمة المحاسبات.
وأكدت المحامية زينب براهم أن الحركة لم تتحصل على أي تمويل أجنبي خلال انتخابات 2019، معتبرة أن هناك محاولة لتلبيس الوقائع في قضية التمويل الأجنبي الواردة في تقرير محكمة المحاسبات. وأقرّت بأن النهضة لم توقع أي عقد لوبينغ خلال فترة الانتخابات، لا بطريقة مباشرة ولا عن طريق توكيل ولا عن طريق أي مُنتسب إلى الحركة.
في المقابل اعتبر سامي الطريقي، المحامي والقيادي في الحركة، أنّ النهضة تتعرض لحملة تشويه ولمحاولة إسقاط قائماتها في الانتخابات التشريعية لسنة 2019 عبر الضغط على القضاء.
وأوضح كلام بشأن اقتراب حل حركة النهضة صدر عن وزير الخارجية السابق وصهر الغنوشي رفيق عبدالسلام حين قال في حديثه عن الرئيس قيس سعيد “لم يجد من حيلة (…) غير استخدام القضاء وتطويعه لإسقاط قوائم النهضة الفائزة في انتخابات 2019″.
ويعتقد المراقبون أن تصريحات قياديي النهضة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنهم ينتظرون قرار الحل، وأن الأمر قد يكون أبعد مما هو معلن في قرار محكمة المحاسبات، ولم يستبعدوا أن يكون الرئيس سعيد يمتلك ملفات قوية ضد الحركة ربما تم الحصول عليها خلال التحقيق في مقر النهضة، وهذا ما يفسر انزعاج المتحدثين باسم النهضة.