الخسارة محاولة للبقاء

سيف الإسلام القذافي لا يتطلع لإحياء حكم والده بل لدفن ذكراه

طرابلس

تسبب الظهور المفاجئ لسيف الإسلام القذافي في إحدى المدن الليبية الجنوبية، أثناء تقديمه أوراق ترشيحه للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في الرابع والعشرين من ديسمبر، في اندلاع احتجاجات في شوارع البلاد، وصاحب ذلك موجات من التحليل في الخارج حول ما إذا كان الليبيون عازمين على التصويت للعودة بالبلاد إلى زمن معمر القذافي.

ومن المؤكد أن ظهوره من جديد كان مبعثا للدهشة، حيث إن غالبية الليبيين لم يسمعوا صوت سيف الإسلام على مدى عقد من الزمان قبل التعليقات الموجزة التي أبداها الأسبوع السابق، بالرغم من أن صدى صوته كان يتردد في كافة نواحي البلاد في الماضي، وكانت تلك المحاولة عبارة عن خطوة أخرى لعودة عشيرة القذافي إلى الحياة العامة.

ويقول المحلل فيصل اليافعي في تقرير لموقع “سنديكيشن بيورو” المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى “إن التفكير في أن سيف الإسلام ينوي حقا أن يصبح رئيسا لليبيا في الشهر القادم هو قصور في فهم ليبيا الحديثة، وفهم محاولة سيطرته على الحكم بصورة تدريجية. فهو لا ينوي إحياء حكم والده، بل يريد دفن تلك الحقبة من الزمن وتأسيس الطريق لصعوده لسدة الحكم”.

لم يكن سيف الإسلام المترشح الوحيد الذي ظهر فجأة على مسرح الأحداث، حيث أدى الموعد النهائي لتقديم الطلبات الرئاسية الاثنين إلى اندفاع وتهافت بين النخبة السياسية الحالية في ليبيا لتقديم أنفسهم لمنصب رئيس ليبيا القادم.

وكانت بعض تلك الأسماء متوقعة مثل المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وهو أعلى رتبة عسكرية يرشح نفسه للمنصب، وبعض الأسماء الأخرى غير متوقعة مثل رئيس الحكومة الحالي المؤقت عبدالحميد الدبيبة، الذي أعلن ترشيحه في آخر لحظة.

ويرى اليافعي أن الدبيبة وضع نفسه في وضع غريب حيث من المفترض أن يتولى زمام السلطة إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد، مما يعني أنه قد يكون في وضع غريب، حيث من الممكن أن يعلن فوزه ويُسلم مقاليد الحكم لنفسه.

ووفق تصريحات مسؤولي الانتخابات تقدم ما يقرب من 100 مترشح للرئاسية، وضمت القائمة الأولية 73 مترشحا، في حين استبعدت مفوضية الانتخابات خمسا وعشرين مترشحا، منهم سيف الإسلام القذافي.

وتقدّم ابن القذافي بطعن ضدّ القرار ما زالت لم تنظر فيه المحكمة، واتهم سيف الإسلام قوات عسكرية لم يسمها بمحاولة عرقلة جلسة النظر في الطعن الاثنين.

ويرى اليافعي أن سيف الإسلام هو من كان الأكثر إثارة للدهشة وجلبا لأنظار المراقبين، من بين كل المترشحين للانتخابات. وقد أدى ظهوره من جديد إلى تعقيد حسابات المترشحين الآخرين، فبالنسبة إلى شخصية مثل حفتر، الذي أعلن ترشحه ليس بزيه العسكري المميز بل ببدلة مدنية، فإن مشاركة سيف الإسلام تجعل من الصعب الادعاء بأنه شخصية موحدة للشعب الليبي: فلماذا التصويت لمترشح قام بشن حروب، بينما يستطيع الناخب التصويت لشخص لم يقل شيئا منذ 10 سنوات؟ وصمت سيف الإسلام هو أعظم أسلحته، ودائما ما يُتحدث عنه، ولكن نادرا ما يُسمع منه.

ويذهب المحلل إلى أن السببين في تسجيل سيف الإسلام كمترشح رئاسي هما أنه إما يسعى إلى استهداف أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى النظام السابق، بما في ذلك الشباب الليبيون الذين لا يتذكرون الكثير بعد السنوات العشر الماضية من الحرب وعدم الاستقرار، وإما أنه يسعى إلى أن يكون مترشحا توافقيا وسط مترشحين سياسيين مجهولي الهوية ويتبعون فصائل متحاربة، وبصفته الشخص الوحيد في بطاقة الاقتراع الذي يمكن التعرف على اسمه على نطاق واسع، فإن لديه بالتأكيد فرصة في ميدان الانتخابات المزدحم.

ولكن بالنظر إلى أن سلطات المكتب الرئاسي لم يتم تحديدها بعد، ووجود شائعات تشير إلى أن الانتخابات قد لا تُجرى في تاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر، فمن غير المرجح أن سيف الإسلام ينوي أو حتى يرغب في الفوز.

عاد سيف الإسلام القذافي إلى الواجهة السياسية في ليبيا بعد نحو عشرة أعوام من مقتل والده معمر القذافي على يد محتجين إبان ثورة فبراير 2011، التي أنهت نظام حكمه (1969-2011). وهو مصر على ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة.

ويرجح المحلل اليافعي أن يكون الهدف الحقيقي من وراء ترشيح سيف الإسلام لنفسه هو ببساطة إعادة تقديم نفسه للجمهور الليبي، وهي استراتيجية “العودة ببطء، وببطء شديد، مثل استراتيجية التعري لإثارة حماس الجمهور”، وقد أقر بذلك في مقال سيء السمعة في صحيفة “نيويورك تايمز” سابقا. وربما افتقر ذلك الخبر الكبير إلى بعض الدراما، لكنه بالتأكيد أثار الجدل بين الناس.

صمت سيف الإسلام القذافي هو أعظم أسلحته، ودائما ما يتحدث عنه، ولكن نادرا ما يسمع منه

لكن اليافعي يشير أيضا إلى أن أفضل طريق لعودة سيف الإسلام إلى السلطة يتلخّص في خسارته لهذه الانتخابات، ولكنها ليست خسارة كبيرة إلى حدّ جعْلِ اسم القذافي احتمالا سياسيا بعيدا. خسارة معقولة، ربما الحصول على المركز الثالث أو الرابع ضمن العدد الهائل من المترشحين، حتى يمتلك تأثيرا على من يفوز بتلك الانتخابات، ويثبت امتلاكه لقاعدة شعبية وشيء من النفوذ، من دون الخوض في معمعة الفوضى الوحشية. وكان مؤيدوه يزعمون أنه متواضع، وأنه يشبه الأمير الذي ينتظر التتويج لكن الظروف ضده.

وعلى أي حال، ليس هذا بالوقت المناسب لأخذ مقاليد الحكم في ليبيا، فالحكومة ليست مسيطرة على البلاد كاملة والميليشيات المتنافسة والقوى الأجنبية لا تزال في سباق لبسط نفوذها، وكانت لزوال حكم والده آثار واسعة النطاق على البلدان المجاورة، وسوف يستغرق الأمر سنوات للتعامل مع تلك الآثار. وهناك انقطاع منتظم في التيار الكهربائي وانعدام للحكم الأساسي. ولا يستطيع أي رئيس أن يحل هذه القضايا في ولاية رئاسية واحدة، ولا تعتمد جاذبية سيف كمترشح على مؤهلاته الإدارية، بل على ما يمثله كشخص، وعليه من الأفضل البقاء بعيدا عن السلطة بدل تلقي سهام اللوم على مسؤوليته كرئيس.

ويلفت اليافعي إلى أنه كلما كان سيف الإسلام قادرا على البقاء جزءا من الحوار السياسي مع تجنب الأخذ بدفة الحكم، كلما ابتعد عهد والده عن الذاكرة، وسيصبح عهد معمر القذافي بمثابة فترة من الاستقرار بدلا من تذكره كحقبة من القمع، وهنا قد يرتكب الليبيون خطأ الثقة بسيف الإسلام القذافي. إن ابن القذافي يدرك أن عليه دفن ذكرى والده، من أجل خلق الظروف السياسية المناسبة لصعوده إلى الحكم.