رقص التانغو ملاذ السوريين من مصاعب الحياة

الرقص مع الحياة

حفظ الصورة
دمشق

بالرغم من أن رقص التانغو كان وما زال يشكل فسحة وملاذا آمنا لبعض الأشخاص في سوريا، لكن يبدو أن مصاعب الحياة الاقتصادية ستكون عائقا أمام أحلامهم الوردية في مواصلة التمتع بهذا الفن الجميل والراقي.

وتتبلور مصاعب راقصي التانغو في سوريا في تأمين ملابس مناسبة وأحذية للرقص، مرورا بحظر مقاطع الفيديو الخاصة بموسيقى التانغو على الإنترنت للحصول على تقنيات الرقص، وبالتالي هؤلاء الراقصون يسعون للحفاظ على فنهم المحبوب حيا في بلد بات الناس في الوقت الحاضر لا يفكرون إلا في تأمين وجبة على طاولة الطعام.

ويلتقي راقصو التانغو في سوريا بين الحين والآخر في مكان ما، ويمارسون الرقص كوسيلة للتخلص من ضغوطات الحياة، ويسمحون للموسيقى بالتغلغل إلى أعماق نفوسهم للهروب من الواقع الأليم.

وفي قاعة التانغو بأحد المراكز بدمشق، اجتمع محامون وأطباء وممثلون كي يتدربوا على الرقصة اللاتينية، والفرح والسرور يملأ قلوبهم.

وقالت إحدى مدرباتهم هاسميك سلكيان، لوكالة أنباء (شينخوا)، “إن التانغو لا يزال على قيد الحياة في سوريا، رغم أن المزيد من الراقصين يغادرون البلاد بسبب الصعوبات الاقتصادية”.

راقصو التانغو في سوريا لديهم رسالة إنسانية تتمثل في الفن والسلام وليس المال

ولفتت إلى أن سوريا كانت لديها نحو 250 راقصة تانغو حتى قبل عامين، مضيفة أنه في العامين الماضيين تضاءل العدد إلى 120 راقصا، فمنذ بداية عام 2022 غادر نحو 65 راقصا البلاد، بسبب الظروف الحياتية الصعبة.

وقالت هاسميك سلكيان، إن راقصي التانغو في سوريا لديهم رسالة إنسانية تتمثل في الفن والسلام وليس المال، لكنها أكدت أن العقوبات جعلت من الصعب على هؤلاء الراقصين الاستمرار في شغفهم بعد أن تأثرت سبل عيشهم بالوضع المالي المتدهور.

وأضافت “للأسف، فإن العقوبات ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضا، حيث رفض مدربون من خارج سوريا الحضور والمشاركة في الأحداث هنا في ظل العقوبات”.

من جهته، قال فؤاد البيلاني، وهو مدرب رقص تانغو آخر، إنه على الرغم من أن التانغو هو شكل من أشكال الفن، إلا أنه تأثر بالأزمة السورية كأي جانب من جوانب الحياة.

وأضاف أنه تم إلغاء العديد من الأنشطة والمهرجانات والفعاليات مع اندلاع الأزمة منذ أكثر من 11 عاما.

وأشار البيلاني إلى أن العقبة الرئيسية التي تواجه راقصي التانغو هي عقبة مالية بسبب الفجوة الكبيرة بين العملات المحلية والأجنبية والصعوبات التي تواجه ترتيبات سفر الراقصين السوريين.

وقال إن الظروف المعيشية الصعبة تدفع الناس بعيدا عن الفن بشكل عام وأن التانغو ليس استثناء لأن الناس في الوقت الحاضر لديهم أولويات أكثر أهمية مثل كسب لقمة العيش.

وتابع “بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، يعد التانغو شيئا ثقافيا ليس مهما جدا، لكننا نقول إن التانغو مهم جدا مثل الطعام وضروريات الحياة الأخرى لأنه غذاء للروح”.

لكن على الرغم من هذا اليأس، فإن المدربين والراقصين ينسون كل شيء عندما يبدأون تدريباتهم، وعندما تبدأ الموسيقى، ترى مشهدا مختلفا تماما، فالناس يبتسمون، ويرتدون أفضل ملابسهم، ويحافظون على المشاعر الإيجابية.

وفي أحد البيوت في الحي الدمشقي القديم، كان الراقصون يرتدون جميعا ملابسهم، وهم مفعمون بالحيوية والفرح، حيث أقيم الحفل في أحد المنازل القديمة في ذلك الجزء من العاصمة، مما يضفي على الأجواء إحساسا بمجد أيام زمان.

واستمرت الموسيقى لمدة ساعتين وتناوب الراقصون على إظهار مهاراتهم، خلال هاتين الساعتين، حيث نسي الجميع بالداخل أنه ما زال في سوريا، وبدا المكان كما لو كان من فيلم قديم بالأبيض والأسود يدور حول الموسيقى والرقص والضحك أثناء الاستمتاع بالموسيقى.

وقالت وئام الخوص، وهي ممثلة، إنها خلال الذهاب إلى مكان التدريب أصبحت مرتبطة جدا برقصة التانغو لأن الموسيقى أنقذتها في بداية الأزمة.

وأضافت “اعتدت أن أنهي عملي وأذهب لحضور التدريبات والاستماع إلى الموسيقى، ومع مرور الوقت، بدأت أشعر بأن جسدي يتحرك مع الموسيقى وذلك عندما أدركت أن التانغو هو ما أحتاجه لحماية سلامة عقلي وسط الأزمة”.

وقالت وئام الخوص إن إيقاعات الموسيقى مثل الحياة، وهناك تقلبات، معتبرة أن التأرجح مع الموسيقى يعلم الشخص كيفية الرقص مع الحياة والتكيف مع تقلباتها.

بالنسبة إلى وئام الخوص، كانت رقصة التانغو سهلة لأنها ممثلة، لكن بالنسبة إلى غزوان مالكي، وهو راقص تانغو آخر، كان بعيدا عن مهنته كمحام، وكان ذلك، حسب قوله، جمال التانغو كما هو للجميع.

وقال إن التانغو هو فن أنيق يساعدك على التفكير بشكل صحيح والخروج من الصندوق الذي تعيش فيه، بغض النظر عن أي أزمة، عندما تستمع إلى الموسيقى تشعر وكأنها تحتضنك، وهذا يمنحك سلاما داخليا والقدرة والطاقة الإيجابية على الاستمرار.