حقائب المقصورة تتحول إلى عبء اقتصادي يهدد شركات الطيران

وكالة أنباء حضرموت

لم تعد ظاهرة تمسك بعض ركاب الطائرات بحقائبهم أثناء الإخلاء الطارئ مجرد مشكلة سلوكية أو تحد مرتبط بثقافة السلامة، بل تحولت إلى إشكالية اقتصادية متصاعدة تثير قلق شركات الطيران والجهات المنظمة لصناعة النقل الجوي.

فكل ثانية تضيع خلال عمليات الإخلاء لا تهدد الأرواح فحسب، بل تنعكس أيضًا في صورة خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة على قطاع يعاني أصلًا من هوامش ربح ضيقة.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة التليغراف البريطانية، ترى شركات الطيران أن تأخر الإخلاء بسبب استرجاع الأمتعة يرفع كلفة الحوادث بشكل ملحوظ. فالإصابات التي يمكن تفاديها عبر إخلاء سريع تعني لاحقًا تعويضات قانونية أعلى، وأقساط تأمين أكثر كلفة، فضلًا عن مصاريف طبية وتعويضات للركاب وأطقم الطائرات.

ومع تكرار هذه السلوكيات، تجد الشركات نفسها أمام ارتفاع تدريجي في مستويات المخاطر التي يقيّمها قطاع التأمين، وهو ما ينعكس مباشرة على قيمة الأقساط التي تدفعها شركات الطيران سنويًا.

ومن زاوية اقتصادية أوسع، يؤكد خبراء في الصناعة أن أي إخفاق في تحقيق معيار الإخلاء خلال 90 ثانية — وهو أحد أسس اعتماد الطائرات وتشغيلها — قد يفتح الباب أمام تشديد تنظيمي مكلف. ففرض إجراءات إضافية، أو إدخال تعديلات على تصميم المقصورات، أو حتى إجراء تغييرات في سياسات الأمتعة المحمولة، كلها سيناريوهات محتملة ستتطلب استثمارات جديدة بملايين الدولارات، في وقت تسعى فيه الشركات إلى خفض التكاليف وتحسين الكفاءة التشغيلية.

وتبرز مسألة الأمتعة المحمولة بوصفها عاملًا اقتصاديًا محوريًا في هذه المعادلة. فخلال العقد الأخير، دفعت رسوم شحن الحقائب العديد من المسافرين إلى الاعتماد على حقائب المقصورة، ما زاد من كثافتها داخل الطائرات. وهذا التغيّر، الذي وفّر إيرادات إضافية للشركات في البداية، بات اليوم يحمل تكلفة خفية، إذ أصبحت الحقائب في متناول الركاب خلال حالات الطوارئ، ما يبطئ الإخلاء ويضاعف المخاطر التشغيلية.

كما أن الحوادث التي تُظهر ركابًا يغادرون الطائرات وهم يحملون حقائبهم تضر بصورة شركات الطيران أمام الرأي العام والأسواق. فالثقة عنصر أساسي في صناعة تعتمد على الإحساس بالأمان، وأي اهتزاز في هذه الثقة قد يؤثر في الطلب، خاصة لدى مسافري الأعمال الذين يمثلون شريحة ذات عائد مرتفع. وفي سوق شديدة التنافسية، قد تتحول السمعة السلبية إلى عامل ضغط على الأسعار والعوائد.

وأشار التقرير إلى أن هذا الواقع دفع شركات الطيران إلى الاستعانة بخبراء في علم النفس، ليس فقط بهدف تحسين السلامة، بل أيضًا لتقليل الكلفة الاقتصادية للمخاطر البشرية. ففهم دوافع الركاب وسلوكهم في لحظات الذعر قد يسمح بتصميم رسائل سلامة أكثر فاعلية، أو إجراءات تشغيلية تقلل من احتمالات التأخير، وهو ما يُنظر إليه كاستثمار وقائي أقل كلفة من التعامل مع تبعات الحوادث.

كما أن الاختلافات السلوكية بين المسافرين من مناطق جغرافية مختلفة تضيف بُعدًا اقتصاديًا آخر. فإذا ثبت أن الالتزام بتعليمات الإخلاء أعلى في بعض الأسواق، فقد يؤثر ذلك مستقبلًا في سياسات التشغيل والتدريب، بل وحتى في تقييم المخاطر المرتبطة بخطوط جوية معينة. وبالنسبة لصناعة عالمية بحجم الطيران التجاري، فإن أي تعديل في نماذج المخاطر ينعكس سريعًا على القرارات الاستثمارية.

وبينما تبدو الحقيبة بالنسبة للفرد مسألة شخصية، فإنها بالنسبة لشركات الطيران تمثل سلسلة من التكاليف المحتملة التي تبدأ بثوانٍ ضائعة، وقد تنتهي بملايين الدولارات.