روابط الإخوان و«فرنسا الأبية».. أسرار تحقيق برلماني استجوب وزراء

وكالة أنباء حضرموت

لم يعد خطر الإسلام السياسي في فرنسا مسألة أمنية معزولة، ولا مجرد تهديد خارجي يمكن احتواؤه بالأدوات التقليدية. بل تحوّل، وفق خلاصات تحقيق برلماني استمر 6 أشهر، إلى ظاهرة مركّبة تتسلل بهدوء إلى قلب المشهد السياسي.

ويستفيد من تقاطعات أيديولوجية وحسابات انتخابية داخل أطراف من اليسار الراديكالي.

وبعد 6 أشهر من التحقيق البرلماني المكثف، الذي جرى في مناخ مشحون بالضغوط والتهديدات، وتخللته جلسات استماع مغلقة وحساسة، خلصت لجنة التحقيق إلى استنتاج حاسم لا لبس فيه: الخطر الإرهابي لا يزال قائمًا، فيما يواصل الإسلام السياسي تمدده داخل فرنسا عبر مسارات خفية، تتراوح بين النزعة الانفصالية ومحاولات التغلغل الهادئ داخل مؤسسات الجمهورية.

وكشفت مجلة «فرانك تيرور» (القناص)، المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية الفرنسية، عن كواليس التحقيق البرلماني الذي استمر عدة أشهر، وسعى إلى تفكيك العلاقة المعقدة بين جماعة الإخوان في فرنسا وحزب «فرنسا الأبية» المحسوب على اليسار الراديكالي.

وأوضحت المجلة أنه، ورغم عدم التوصل إلى أدلة قاطعة تُثبت وجود روابط هيكلية أو مالية مباشرة بين أطراف سياسية بعينها وتنظيم الإخوان، فإن جلسات الاستماع كشفت بوضوح عن تقاطعات مقلقة في الخطاب والمصالح، لا سيما لدى بعض قوى اليسار الراديكالي، حيث تدرجت المواقف بين التواطؤ الضمني، أو التشكيك، أو حتى الإنكار الكامل لطبيعة التهديد.

تحقيق واسع النطاق واستماع غير مسبوق
ووصفت أوساط برلمانية فرنسية حجم التحقيق بأنه «لافت وغير مسبوق»، إذ استمع أعضاء اللجنة إلى أكثر من أربعين شخصية بارزة، من بينهم ثلاثة وزراء حاليين، وكبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات الفرنسية، وسفراء، ورؤساء بلديات، ومحافظون، إلى جانب باحثين وصحفيين متخصصين في قضايا التطرف والإسلام السياسي.

هذا التنوع في الشهادات مكّن اللجنة من رسم صورة شاملة عن تنامي الإسلام السياسي في فرنسا، والمخاطر المرتبطة به، خصوصًا ما يتعلق بالصلة غير المعلنة بين حركات سياسية قانونية ومنظمات أو شبكات يُشتبه في ترويجها لأيديولوجيات متطرفة أو دعمها غير المباشر للإرهاب.

خلاصة لا تقبل التأويل
النتيجة التي خلصت إليها اللجنة وُصفت داخل البرلمان بأنها «قاطعة»: تصاعد الإسلام السياسي في فرنسا حقيقة لا يمكن إنكارها، وخطر الإرهاب لا يزال قائمًا، وإن اتخذ أشكالًا أكثر التواءً وتعقيدًا.

وقد أنهت اللجنة المكلفة بالتحقيق في الروابط القائمة بين ممثلي حركات سياسية ومنظمات أو شبكات داعمة للإرهاب أو ناشرة للفكر الإخواني والإسلام السياسي في فرنسا أعمالها رسميًا في السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وجاء البيان الختامي موقّعًا من جان-لوك ميلانشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية»، الذي كان قد لوّح في وقت سابق بمقاطعة أعمال اللجنة، قبل أن يعود ويفرض إيقاعه الزمني داخلها، ثم يوقّع في النهاية على خلاصات تحقيق استمر قرابة نصف عام.

6 أشهر من التوتر والضغوط
وامتد التحقيق على مدى 6 أشهر كاملة، خُصص نصفها تقريبًا لجلسات الاستماع، سعى خلالها البرلمانيون إلى تفكيك الروابط المعقدة والخطيرة التي يُشتبه في وجودها بين بعض الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب «فرنسا الأبية» وحزب الخضر، وبين أوساط أو شبكات مرتبطة بما يُعرف بـ«مجرة الإسلام السياسي».

لكن عمل اللجنة لم يكن سهلًا، إذ جرى في مناخ شديد التوتر. وتعرض ثلاثة من القائمين على التحقيق لإهانات وتهديدات مباشرة، إضافة إلى هجمات إلكترونية استهدفتهم خلال فترة عمل اللجنة.

كما اضطر نحو 3 شاهدًا، من بينهم باحثون وصحفيان، إلى طلب عقد جلسات استماع مغلقة خلف أبواب موصدة لأسباب أمنية، في سابقة تعكس حساسية الملف وخطورته.

لجنة تحت الضغط.. وأسئلة مفتوحة
هذا السياق جعل من لجنة التحقيق البرلمانية واحدة من أكثر اللجان توترًا في السنوات الأخيرة. وبينما لم تُثبت التحقيقات وجود علاقات مالية أو تنظيمية مباشرة بشكل رسمي، فإن الشهادات والوقائع التي كُشف عنها طرحت أسئلة عميقة حول طبيعة بعض التحالفات السياسية، وحدود التساهل مع خطاب ديني-سياسي يتعارض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية وقيمها العلمانية.

وفي المحصلة، يخرج هذا التحقيق بتشخيص مقلق: الإسلام السياسي لا يتقدم بالضرورة عبر الصدام المباشر مع الدولة، بل عبر التغلغل التدريجي في النسيج السياسي والمؤسساتي، مستفيدًا من مناطق رمادية، وصمت سياسي، أو حسابات انتخابية ضيقة، ما يجعل المواجهة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

تقارب مثير للجدل
وأبرز ما أثار الجدل داخل كواليس التحقيق البرلماني هو الاتهامات المتكررة بوجود تقارب سياسي وأيديولوجي بين حزب «فرنسا الأبية» وعدد من الشخصيات والجمعيات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا.

ووفق ما طُرح خلال جلسات الاستماع، فإن هذا التقارب لا يتخذ بالضرورة شكل علاقات تنظيمية أو تمويلية مباشرة، بل يظهر عبر انضمام أو تقرّب شخصيات معروفة بقربها الفكري أو الدعوي من الإخوان إلى الحزب، أو عبر منحها مساحات تعبير وتمثيل سياسي داخل هياكله أو في لوائحه الانتخابية.

كما أشار عدد من الخبراء الأمنيين والباحثين إلى ما وصفوه بـ«التلاقي البراغماتي» بين الطرفين، حيث يستفيد الحزب من قواعد انتخابية في الأحياء الشعبية، بينما يجد الإسلام السياسي واجهة سياسية شرعية تمر عبرها خطابه ومطالبه، ما يثير مخاوف جدية من تطبيع أفكار تتعارض مع مبادئ العلمانية وقيم الجمهورية الفرنسية.