محمد مرشد
جيش الجنوب العربي .. فصول من التاريخ البطولي العريق
هي الذكرى تطيب لذي الهوى ومن حاجة المحب أن يتذكرا، فكيف بي وأن أستذكر الولادة العزيزة لجيش المآثر والمفاخر، من يعرف الشعب الجنوبي جيدا ويعرف طبيعته التكوينية سيقول ان هذا الشعب العزيز الأبي الذي يمثل خلاصة أمة شغلت ثلثي التاريخ البشري، لا يمكن له إلا ان يكون شعبا يتصرف بما يليق بمقامه ومكانته التاريخية، وها هو وفي ظلال إحتلالين يفصل بينهما ما يقارب ستون عاما، ينتج عناصر قوته ومنعته وعناوين مجده مجددا، على الرغم من وجود بقايا الإحتلال اليمني على أرضه المعبقة بسلاسل طويلة من تواريخ المجد والبطولة.
في آواخر خمسينات القرن المنصرم وعلى الرغم من جثوم الإحتلال البريطاني البغيض على صدور الجنوبيين إلا أنهم اسسوا جيشهم الوطني على شكل فصائل حركة ثورية أنطلقت بداياتها الأولى من جبال الحواشب وردفان في لحج ومن قبلها جيش البادية في حضرموت، وسرعان ما تحولت تلك الفصائل وذابت في طابع جيش مقاوم مطلع ستينات القرن ذاته، حينما قاتلت جيوش بريطانيا العظمى سنة 1963م وأذاقتها مرارة الهزيمة وعرفتها معنى أن يقاتل طلاب الحرية والكرامة حتى اعلن الجلاء والخلاص من آخر جندي بريطاني محتل لأرض الجنوب عام 1967م.
بينما في سنة 2015م وبالرغم من غزو مليشيات الحوثي المدججة بأنواع السلاح والمسنودة بجيش عفاش ورجال قبائل اليمن لأرض الجنوب، إلا أن الجنوبيين أعادوا بناء قوتهم العسكرية وشكلوا مقاومتهم وجيشهم الوطني وتصدوا للعدوان الغاشم والظالم على أرضهم وقدموا اشكال الفداء والتضحية، لذلك يجب ان نفخر بهذا الدرع الحصين الذي يقف اليوم جبلا أشما بوجه قوى الظلام والإرهاب مدعما بعزيمة إباة الضيم ورجال الملاحم الكبرى.
ان الجيش يعتبر هو العمود الفقري للأمن والاستقرار، فهو من يحمي البلد من الانهيار ويذود عن حياضه ومكاسبه، وما اكتبه هنا ليس مقالا تعبويا، ولا هو إحتفاءا بمناسبة معينة، لكنها حروف وفاء للتضحيات الجسام التي قدمها جيش الجنوب العربي منذ الإنطلاقات التحررية الأولى، بمعية رفقاء القضية والموقف والسلاح صناديد المقاومة الجنوبية وأسودها الضارية من الغيارى على دينهم وأرضهم وعرضهم، وغيرهم من العناوين الوطنية المضحية التي كتبت حروف النصر وعبرت عن وجدان الشعب وحمت قيمه وتطلعاته، وبتضحياتها حافظنا على هذا الوطن العزيز وصانت ترابه الطاهر وبذلت الغال والنفيس لرفعته وعزته ولكي تبقى رآيته خفاقة عالية في عنان السماء.
ومنذ ما يقارب سبع سنوات من الآن، واجه جيش الجنوب الثائر ومعه عناوين المجد الأخرى، عدوا تقف خلفه ترسانة وتدعمه بالمال والسلاح قوى عالمية وإقليمية عظمى معادية لمشروع الحرية والاستقلال، وظل من ذلك الحين الجنوبيين متماسكين ومتمسكين بمبادئهم وثوابتهم الوطنية والثورية، واليوم حريا بنا ان نحتفي بكل إجلال ببطولات هذا الجيش الباسل وبتضحيات رجاله الأبطال والمغاوير، لأن دم ابن الجنوب العربي عندما يروي الأرض، لا تسأل هذه الطاهرة العزيزة عن إنتماء هذا الدم لأي تشكيل بل تقول مرحى بأبن الجنوب الوفي والأصيل.
لقد أظهرت قواتنا المسلحة وأحزمتنا الأمنية بالعناوين المحفوظة مقاماتها، وما تزال شجاعة نادرة في مواجهة الإرهاب وذيوله، وأذهلت العالم أجمع، بصمودها ونجاحاتها وانتصاراتها وصدق ولائها وإنتمائها وقدرتها على تذليل الصعاب، وتحقيق الإنجازات، معبرة عن رجولة وشجاعة وأقدام قل نظيره في مواجهة أشرس حرب همجية يشنها الاعداء لإستهداف هذا الوطن الغالي، فـ المؤسسة العسكرية والأمنية الجنوبية الرائدة بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي هي كيان جامع لكافة ابناء الشعب وستظل كذلك، وستبقى حاميا للقضية الجنوبية ولتطلعات الشعب للحرية والاستقلال بعيدا عن الوصاية والتبعية والضم والإلحاق، فالجيش والأمن هما عنوانان بارزان لدولة الجنوب العربي الجديدة، التي تحقق العدالة والمساواة للجميع دون أي تمييز مناطقي او عنصري او فئوي او جهوي، وستتصرف هذه المؤسسة السخية بالبذل والعطاء للحفاظ على تضحيات الجنوبيين والدفاع عن مشروعهم التحرري الحضاري حتى ينبلج فجر الحرية وتشرق شموسه ويعلن الاستقلال من جديد.