د. فائز سعيد المنصوري

من القبلية إلى الذكاء الاصطناعي

وكالة أنباء حضرموت

في زمن مضى، كانت القبيلة الحصن والسند الذي يحمي أبناءها ويضمن لهم الأمن في مواجهة الأخطار. أما اليوم، فقد تغير المشهد، وصارت الدولة بمؤسساتها المنظمة وقوانينها النزيهة قادرة على القيام بما كانت القبيلة تقوم به بل وأكثر، فهي تقضي على الثأر وتحمي الحقوق. ومن هنا، أدعو الإخوة الذين يرفعون اليوم شعار القبلية إلى تحويل طاقاتهم نحو طلب العلم، فالعلم يرفع شأنهم دون عنتريات أو استعراضات لا طائل منها. نحن نعيش عصر الذكاء الاصطناعي، زمن تُصنع فيه المعرفة والمهارة منارات التقدّم، لا الانتماءات القبلية وحدها كما كان الحال في زمن أبي جهل والزير سالم.

لقد أصبحت الدولة اليوم تؤدي دورًا أوسع مما كانت تقوم به القبيلة؛ فالمؤسسات المنظمة والقوانين النزيهة توفر الأمن وتحمي الحقوق، ولا يُطلب من المواطنين سوى مساندة هذه المؤسسات والمشاركة البناءة في دعمها وبنائها. فالدولة ذات الأجهزة النزيهة والمنضبطة قادرة على القضاء على الثأر وتمكين المجتمع من العيش في سلام واستقرار. وهذا لا يعني أن يتنازل الإنسان عن حقه، بل يأخذه بطريق يقرها الشرع وتحفظ بها الروح وتساندها قوانين الدولة، وأن يتيح للدولة القيام بواجبها في حفظ الأمن ليعيش المجتمع في استقرار ويتجه أبناؤه إلى بناء أنفسهم.

إن الواجب على الجميع توجيه الجهود نحو تنمية أموالهم الخاصة وزيادة معارفهم ومهاراتهم لمواكبة القفزات العلمية السريعة التي تذهل المتابع. فالتقدم الحقيقي لا يأتي بالعصبية القبلية ولا بالمواجهات المسلحة بين القبيلة والدولة، بل بالعلم والعمل اللذين يعود نفعهما على الفرد والمجتمع معًا.

العلم يحفظ للإنسان عقله وروحه، ويمنحه رفعةً في الدنيا ورضًا وجزاءً في الآخرة. فلنغتنم هذا العصر بما فيه من فرص، ولنستبدل مطاردات الثأر الجاهلية بسعي نبيل نحو المعرفة، ليحيا المجتمع في سلام، ويصنع أفراده مستقبلهم بأيديهم.

مقالات الكاتب