دعوة إلى قراءة عقلانية لبيان مجموعة هائل سعيد أنعم بعيداً عن العاطفة
ناصر المشارع
تابعت ك غيري مضمون البيان الصادر عن مجموعة هائل سعيد أنعم وشركائه بتاريخ 2 أغسطس 2025، و...
في عالم السياسة، يذهب البعض إلى اعتبارها ساحة للصراع، لا مجال فيها للأخلاق أو المبادئ، بل تقوم على المصالح والمنافع، سواء كانت شخصية أو حزبية أو إقليمية. هذه النظرة، التي قد يراها البعض تشاؤمية، أصبحت للأسف، واقعًا ملموسًا في عدد من الدول، وفي مقدمتها البلادنا .
لقد تحولت السياسة من وسيلة لإدارة شؤون الناس وخدمة الصالح العام، إلى صراع مفتوح على السلطة، تديره النخب عبر أدوات قد تكون مؤسسية، وأحيانًا عبر جماعات خارجة عن القانون الحوثي والانقتالي نموذج أ هذه المليشيات هي مرتبطة بأجندات خارجية. الصراع السياسي في اليمن، خاصة في الجنوب، يقدم نموذجًا صارخًا لهذا التحول، حيث تداخلت المشاريع الحزبية بالمصالح الإقليمية، وغابت الإرادة الوطنية الصادقة.
منذ عقود، وتحديدًا منذ تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني، وحتى اليوم مع صعود المجلس الانتقالي الجنوبي، لا تزال السياسة في البلاد تُمارس بنفس المنهجية: صراعات داخلية، إقصاء متبادل، غياب للحوار الحقيقي، وتوظيف للشعارات الوطنية لأغراض سلطوية. ليست المصالح العليا للوطن هي المحرك الأول للفاعلين، بل المصالح الشخصية أو الإقليمية، وغالبًا ما يُستخدم الخطاب الأخلاقي كستار لتبرير الأفعال أو لتضليل الجماهير.
وهنا لا بد من التذكير بمقولة المفكر الاستراتيجي كارل فون كلاوزفيتز حين قال: “الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى”. لكن الواقع يُظهر لنا أن السياسة ذاتها أصبحت “حربًا” تُدار بوسائل متعددة: الكذب، التزوير، التضليل، وشراء الولاءات.
من المؤسف أن يغدو الكذب في السياسة سلوكًا مقبولًا، بل أداة معترف بها. إذ بات بعض الساسة يرون في الخداع والتزييف مهارة سياسية لا غنى عنها، وتُوظف الأكاذيب لتبرير الفشل، أو لتبرير الارتباط بقوى إقليمية ودولية. هذا ما نراه جليًا في تصريحات بعض قيادات المجلس الانتقالي، ممن يبررون الفشل السياسي بالحديث عن “الظروف” و”الوطنية” و”الضرورات الثورية”، بينما في الواقع لا يعدو الأمر كونه صراعًا على النفوذ والمصالح.
ومن اللافت أن جمهور هذه التيارات، في كثير من الأحيان، يُستدرج إلى تصديق الخطاب، نتيجة الجهل السياسي، أو بفعل اليأس من البدائل، ليصبح جزءًا من ماكينة التزييف والتبرير دون وعي منه.
ما تحتاجه اليوم، كما تحتاجه شعوب كثيرة تعاني من نفس الظواهر، هو إعادة تعريف السياسة بوصفها ممارسة أخلاقية وإنسانية، لا مجرد صراع مصالح. السياسة النبيلة لا تُقصي، ولا تُخادع، ولا تستخدم الناس كوقود لمعارك وهمية. السياسة الحقيقية تقوم على الشفافية، والمحاسبة، وخدمة الصالح العام، لا على التبعية والانقياد.
نعم، السياسة معقدة، وقد تتطلب أحيانًا المرونة والتكتيك، لكنها لا ينبغي أن تنفصل عن الأخلاق. وإذا غابت الأخلاق تمامًا، فلن تصبح السياسة سوى شكل آخر من أشكال الحرب – حرب لا مدافع فيها، ولكن ضحاياها بالملايين.