ظاهر الصراع السني الشيعي
موسى الربيدي
يُعد الصراع السني الشيعي من أقدم الظواهر الدينية والسياسية في العالم الإسلامي، وهو ليس ظاهرة عابرة ي...
يُعد الصراع السني الشيعي من أقدم الظواهر الدينية والسياسية في العالم الإسلامي، وهو ليس ظاهرة عابرة يمكن تجاوزها ببعض المعالجات الفنية أو الخطابات الدينية أو السياسية المؤقتة. إنما هو تعبير عن انقسامات بنيوية تمتد جذورها إلى المراحل الأولى بعد وفاة النبي محمد ﷺ، حيث بدأت الخلافات حول السلطة والشرعية، ثم تطورت لتأخذ أبعادًا مذهبية وفكرية وثقافية مع مرور الزمن.
التدين، كظاهرة إنسانية، ليس أمرًا جامدًا أو موحدًا، بل يتلون بتفسيرات البشر وتصوراتهم المختلفة، التي تتأثر بعوامل نفسية واجتماعية وتاريخية. وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق البشر مختلفين كما الليل والنهار، وكما تختلف الألسنة والألوان والطبائع. ومن هنا فإن ظاهرة الصراع ليست غريبة على الإنسان، بل هي امتداد طبيعي لتفاعلاته مع الدين والسلطة والهوية.
في لحظات التحدي والأزمات الكبرى، غالبًا ما يلجأ الإنسان إلى تأويل هذه الأزمات من خلال الدين، بغض النظر عن مستوى العلم أو الثقافة أو الحداثة التي بلغها مجتمعه. وهكذا،
الموضوع قديم، وليس بحثًا اجتماعيًا أو مجرد ظاهرة ستختفي بمعالجات فنية أو دينية أو سياسية. فظاهرة الصراع الديني ممتدة منذ أن عرف الإنسان معنى التدين على وجه الأرض، وتعددت تفسيرات الناس لهذا الموضوع بأشكال مختلفة. لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان والكون مختلفين، كاختلاف الليل والنهار، واختلاف الألسن، واختلاف البشر في طبائعهم النفسية والعقلية والروحية.
وتفسير هذه الظاهرة بسيط؛ فهي ناتجة عن معطيات مثل: الحب، والكراهية، والنزعات، والثأر، والإحباط، والخيبة، وتصورات الناس النفسية. فعندما يواجه الإنسان تحديات كبيرة، يلجأ إلى تفسيرها عبر الدين، مهما بلغ مستوى هذا المجتمع من العلم والثقافة والفكر. ومن خلال هذه الطريقة، وجد الإنسان أن الدين يمكن أن يكون عاملاً سياسيًا في الصراع.
ولا يمكن إنكار أن الصراع المادي والاقتصادي، وحتى الصراع الطيقي الذي كان احد مخرجات الصراع الغربي الشرقي، وجد في الدين عاملًا مشتركًا. والصراع السني الشيعي ليس خارج هذه الزاوية، فهو خلاف تعود جذوره الأولى إلى ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتحكم في هذا الصراع عوامل مذهبية، وأطماع سياسية، ومعطيات جغرافية، وطموحات توسعية، ومصالح قومية، وخصوصًا من الجانب الإيراني.
لكن كل ذلك ظهر بعد أن فشلت الدول السنية والإسلامية في ترتيب أولويات الدولة القومية. فالعرب السنة لم يستثمروا هذا الصراع بشكل مباشر لتوظيفه سياسيًا، بل انجرفوا نحو تأجيج الدين الإسلامي وزجه في خلافات كثيرة، مبتعدين عن الواقع. بينما إيران وظّفت كل الأدوات السياسية البراغماتية، دون أن تحصر الدين في مضامين ضيقة.
وتُعد السعودية، باعتبارها أكبر دولة عربية، طرفًا رئيسًا في هذا الصراع. وقد وظّفته أحيانًا في إطار الحفاظ على نظام الحكم، وإعطاء الأولوية للتصدي للمد الثوري الإيراني، دون أن تمد جسور الحوار أو تبني علاقات تقوم على الاستقطاب الإيجابي، أو تدعم القومية العربية والإسلامية التي وجدت من إيران كل الترحيب والدعم، حيث تبنّت الأخيرة شعار “تصدير الثورة” في المنطقة.
وقد مثّلت ثورة إيران هاجسًا كبيرًا في المنطقة، وكان لا بد من ملء هذا الفراغ، وإلا ستملؤه الصهيونية والأميركان، وهذا ما حصل فعلاً. فقد وجدت الصهيونية في الخلاف السني الشيعي ضالتها لزعزعة استقرار المنطقة العربية، وتدخلت بقوة لشق طريقها نحو تفكيك العرب وجعلهم لقمة سائغة أمام أطماع المشروع الاستعماري القديم.
إن الشعوب العربية، بقدر ما هي بحاجة إلى إيران، فإن إيران نفسها تستطيع مد جسور التواصل بين المذاهب. وقد عملت إيران بهذا الاتجاه، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها طوال أربعين عامًا من الحصار، الذي سعى إلى الحد من طموح الثورة الإيرانية. واليوم، نراها تطلق آلاف الصواريخ تجاه الكيان الغاصب، بينما العرب حتى الآن لم يكونوا على مستوى التحديات الى متى سيظلّ العرب في الموقف السلبي من نفس الاحداث التي تتكرر على شكل ملهاها .