د. علي ناصر الزامكي

قراءة تحليلية لقرار الحكومة المزمع برفع سعر الدولار الجمركي

وكالة أنباء حضرموت

خلفية القرار
تعتزم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً رفع سعر الدولار الجمركي أي السعر الذي تحتسب على أساسه الجمارك والرسوم على الواردات من 700 ريال إلى 1500 ريال، ويُنظر إلى هذا القرار كجزء من خطة مالية تهدف إلى تعزيز الإيرادات العامة للدولة وتمويل العجز في ظل انهيار الموارد التقليدية، وتزايد الاعتماد على الضرائب والرسوم.

السياق السياسي والاقتصادي
شهد الريال اليمني تراجعًا كبيرًا في قيمته بالسوق الموازية، ويصل سعر صرف الدولار حاليًا إلى 2500 ريال، مما يجعل الدولار الجمركي البالغ 700 ريال غير واقعي اقتصادياً، وفي ضوء توقف العمل في ميناء الحُديدة الخاضع للحوثيين نتيجة الضربات الجوية، سوف تنتقل معظم حركة الاستيراد إلى الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مثل عدن والمكلا، مما يفتح المجال لتطبيق القرار وزيادة الموارد دون منافسة تهريبية أو ازدواج جمركي من الطرف الآخر، وللحساسية السياسية وجب التوضيح بأن المليشيات الحوثية تحتسب عوائد وضرائب ورسوم أخرى إضافية بواقع 50 ‎%‎ من القيمة الجمركية في ميناء الحديدة، بينما لا تحتسب هذه في ميناء عدن وبقية المواني التي تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية، بالإضافة إلى 50‎%‎ زيادة في قيمة الشحنة شاملة النقل والتامين (القيمة سيف كامل) المتجه لميناء الحديدة، وهذا ما يعزز عدم التأثير على الأسعار في المناطق الواقعة تحت حكم الميلشيات الحوثية بارتفاع سعر الدولار الجمركي إلى 1500 ريال، وتعاني الحكومة المعترف بها من عجز مالي مزمن، وتسعى لزيادة الإيرادات بدون فرض ضرائب مباشرة على المواطنين، ويُعد تعديل الدولار الجمركي أحد الأدوات السريعة لتحقيق دخل إضافي.

الآثار الاقتصادية المحتملة
هناك مجموعة من الآثار الاقتصادية المحتملة لهذه السياسات، على الجانب الإيجابي ستؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة؛ لأن مضاعفة الدولار الجمركي تعني مضاعفة العائدات من الرسوم الجمركية، خاصة على السلع غير الأساسية، وهو ما يسهم في تقليص العجز في الميزانية، وأيضًا إعادة مقاربة التوازن مع السوق، إذ أن السعر القديم (700 ريال) كان بعيدًا عن الواقع الفعلي للسوق، مما أدى إلى تحفيز التهرب الجمركي والتلاعب بالفواتير، في حين أن السعر الجديد يعكس مقاربة  القيمة السوقية الحقيقية، كما يُعتبر القرار خطوة نحو توحيد أسعار الصرف، وهو مطلب أساسي من المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي، أما فيما يتعلق بالآثار السلبية فإن رفع الدولار الجمركي سيرفع تكلفة الاستيراد، وبالتالي أسعار البيع للمستهلك النهائي خاصة في ظل غياب الرقابة الفعالة ما قد يُشعل التضخم ويؤثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين، فضلًا عن التأثير على شريحة الفقراء، خصوصًا وأن اليمنيون يعانون من أوضاع معيشية صعبة، وارتفاع الأسعار سيزيد من معدلات الفقر والجوع، وقد يؤدي إلى احتقان شعبي، وفي ظل غياب ضوابط سوق فعالة، قد يستغل بعض التجار القرار لتحقيق أرباح إضافية غير مبررة ما يضاعف من التأثير السلبي على المواطن.

مقترحات للحد من الآثار السلبية
ونتيجة للآثار السلبية لهذا القرار الذي قد يتأثر منه المواطن العادي، فإننا نضع مجموعة من المقترحات للحد من هذه الآثار من خلال استثناء السلع الأساسية (الغذاء، الدواء، الوقود) مؤقتًا من القرار أو فرض سعر جمركي خاص بها (مثلاً 900 ريال بدلاً من 1500)، والعمل على تفعيل آليات الرقابة على الأسواق والأسعار لمنع التلاعب واحتكار السلع، وكذا تعزيز برامج الدعم النقدي للفئات الأشد فقراً من خلال صندوق الرعاية الاجتماعية بالتعاون مع المنظمات الدولية كبرنامج الغذاء العالمي، وإطلاق حملة توعية للمواطنين حول دوافع القرار ومبرراته لتفادي التأويلات السياسية أو الاجتماعية، وكذا البدء التدريجي في تطبيق القرار مثلاً برفع السعر إلى 1000 ريال أولاً، ومن ثم إلى 1500 بعد تقييم الآثار.

التقييم العام
ولتقييم هذا القرار فإنه سيكون إيجابيًا على الجانب الاقتصادي والمالي، في حين سيكون له تبعات سلبية على الجانب الاجتماعي مالم تتخذ إجراءات مصاحبة،  وسيكون حساس على الجوانب السياسية مع  إمكانية تطبيقه، بالتالي فإنه يتطلب خطوات متدرجة وآليات رقابة عند التنفيذ.

الخلاصة
رغم أن القرار برفع الدولار الجمركي يحمل فائدة مالية كبيرة للدولة في هذا التوقيت، إلا أن آثاره الاجتماعية قد تكون مدمرة إن لم يتم تحصين القرار بإجراءات واقعية مصاحبة، على رأسها حماية السلع الأساسية من الارتفاع، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، وضمان الشفافية والعدالة في التطبيق.

مقالات الكاتب