ما بين التخلف والتقدم
د. وليد ناصر الماس
عندما تذهب لطلب العمل في بلد متقدم، لا تُسأل عن دينك أو مذهبك أو عرقك أو قبيلتك، ولا يُنظر للون بشرت...
لا تقاس موازين المعركة بما تتوهمه من إطارات وضعها لك الآخرون، ولا بنوايا الحلفاء أو خبث الخصوم، فمصيرك لا يكتبه أحد سواك، وأنت وحدك من يصنع اللحظة الفاصلة وتحددها، فإما أن تكون صانعاً للأحداث، أو متلقياً يجر خلفه مآلات غيره، وينتظر الخارج ليمنحه الفاعلية.
القدرة على الفعل لا تمنح، بل تستنهض من داخلك، وإن شئت أن تنهض بمهمتك كما ينبغي، فدعك من الأعذار، إذ لا سلطان عليك إلا خيالك، ولا عائق يحول دونك سوى أسلوبك في إدارة ما أُوكل إليك، ثم أن من يفهم المسؤولية على أنها منصب، لا مهمة، فلن ينتج سوى الفراغ.
إعلان ترمب اليوم برفع العقوبات عن سوريا يعزز هذا المعنى، وهو القرار الذي لم يأتِ نتيجة مزاج دولي متقلب، بل سبقته مبادرة سورية جريئة، دفعت الواقع نحو التغيير، حيث لم تنتظر القيادة الجديدة هناك أن تنضج الظروف من تلقاء نفسها، بل فرضت إيقاعها.
على النقيض تماماً، يواصل المشهد اليمني الانغماس في دوامة التبرير والتسويف، فتتكرر الإخفاقات، وتنهار المسارات، وكل مرة يُلقى اللوم على الغيب، أو على مؤامرة كونية، وكأن العجز قدر لا يمكن تغييره.
خطاب التبرير هذا لم يعد يقنع أحداً، ولا حتى المواطن البسيط الذي بات يدرك مكمن الخلل، فيما الحقيقة باتت أوضح من أن تخفى: الأزمة في جوهر المنظومة، لا في ضغوط الخارج، والعجز في ضعف القيادة، لا في حجم التحديات.
أما الكل فقد صار يقرأ المشهد بذكاء، ويميز بين من يتقن الأداء، ومن يتقن الأعذار، ولقد صار الفرق بيناً بين من يحمل عقلية "المسؤول"، ومن اعتاد الاحتماء بجدار "المبرر".
اليوم يحتاج اليمن ثورة داخلية تبدأ من كسر القالب الذهني العاجز الذي يعتلي القرار، نحتاج إلى إرادات جادة، تدرك أن المسؤولية لا تقسم كإمتيازات بين النخب، بل تؤدى بإخلاص، وأن معركتنا مع العدو لن تحسم أبداً، ما لم نحسم أولاً معركتنا مع العطب الذي جثم على صدر القيادة.