ماجد الطاهري

الجهل السياسي

وكالة أنباء حضرموت

المدخل:

يختلف تماما مصطلح الجهل السياسي عن مفهوم الكلمة "الجهل"بصفتها الشاملة لكل من لا يمتلك المعرفة أو العلم فيطلق عليه لفظ (جاهل).. بيدَ أنّ مفهوم الجهل السياسي لابندرج ضمن هذا التعريف العام لأنه قد يقع فيه أفراد و مجتمعات أو ملوك ورؤساء دول وقادة احزاب وجميعهم في الغالب كانوا متحررين من الأمية ولدى البعض منهم مؤهلات علمية وشهادات جامعية وعليا في مجالات مختلفة لكنهم مع ذلك لم يستطع معظمهم أن يتحرر من صفات الجهالة فيما يتعلق بإمور السياسة من حيث ظهر فشلهم في إدراك اغوارها والإلمام بفنها الممكن والغير ممكن ولعدم اخذهم العبر واستلهامهم الدروس من تجارب الاخرين في ميادين الصراعات السياسية التي أستطاع خلالها كل داهية ومحنك سياسي أن يفرض نفسه و واقع سياسي معين لتخلد وتنحت اسماء الكثير منهم على جدار تاريخ الخالدين بصفتهم الأقوياء الأذكياء منذ العصور القديمة الى الماضي والماضي  القريب، ونكتفي بهذا التعريف المختصر إذ أنه ليس موضوعنا الأساسي بل كان مجرد معرفة القشور ثم الوصول الى اللبّ  نتعرف من خلاله على إنعكاس الجهل السياسي الذي لآزم النخب السياسية الجنوبية"قواد المشهد السياسي" منذ ما بعد الاستقلال مرورا بعهد الوحدة اليمنية وانتهاء بالمشهد الحاضر وربط نتائج المتغيرات الثورية ثم الععسكرية والسياسية التي شكلها الصراع اليمني الجنوبي ومعه الاقليمي والدولي على الساحة الجنوبية.

علاقة المفهوم "الجهل السياسي" بواقع الحال جنوبا:

وللحديث في هذا المجال أي عن "متلازمة القصور أو الغباء السياسي" الذي يلقي بضلاله حاليا على المشهد السياسي جنوبا من حيث الضبابية وعدم الوضوح، الدوران في حلقات شبه مفرغة او السير مع الرياح الى حيث تتجه مؤملين ان تأخذنا نحو المشهد الذي طالما حلمنا به كثيرا.. لمعرفة ذلك يكون لزاما علينا ان نعود الى الماضي القريب من تأريخ دولتنا الفتية لنفتش بين غبار التاريخ عن الحكمة التي هي ضالة المؤمن، ونسترجع المواقف والقرارات والتجارب، نقف امام بعض الصفعات المتكررة ، والقرارات الخاطئة وغير المدروسة التي اتخذناها، نتأمل نتائجها وآثارها المدمرة والتي كانت سببا رئيسا في إعاقة مسار التنمية والرقي والتقدم كما هو حال شعوب وبلدان العالم.

بداية المشكلة: 


مع فجر ثورة الـنضال ضد المستعمر البريطاني منذ عام 1963م وحتى العام ثورة التصحيح 20 يونيو 1966م وما تخللها من انقسام داخلي في صفوف قيادة الثوار بشقيها جبهة التحرير والجبهة القومية وما واكبها من احداث وصدامات واقتنال على أحقية تولي المهام وتزعم المشهد،والذي ما برحت نتائجه السلببة عالقة حتى بعد طرد  قوات المستعمر ورحيلها عن كامل التراب الجنوبي إذ مع الأسف سرعان ما برز مشهد الجهل السياسي طاغيا مرة اخرى على الساحة تمثل بقيادة انقلاب على الرئيس قحطان الشعبي واعدامه والزج بالاف الناس في المعتقلات كانوا جميعهم من رفاق السلاح في جبهتي التحرير والقومية.. وما تلا ذلك من احداث متسارعة في حقبة السبعينيات الى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي  توالي عليها لقيادة زمام الامور الرئيس سالم ربيع علي "سالمين" وهو الاخر سرعان ما حكم عليه بالخيانة ليعدم دون أدنى سبب او محاكمة حقيقية ليخول الرفيق عبد الفتاح اسماعيل القيادة  عام 78م يستمر فيها عامين ثم يعزل وينفى من قبل الرفاق الى الاتحاد السوفياتي وياتي بعده علي ناصر محمد ليقود المشهد ولكن هذه المرة يبدو ان تكرار سيناريوهات الانقلابات والاغتيالات للرؤساء المتعافبة جعلت من ناصر يستعد ويأخذ الاحتياطات اللازمة لبقاءه طويلا او على الأقل حرصا منه على عدم الوقوع في نفس مصير من سبقوه من الرؤساء والقادة الرفاق، فكان له ان عمد الى ارساء حكمه بتكليف اشخاص يثق بهم أو مقربين منه لتولي مهام الوزارات السيادية وجهاز المخابرات وقوات البحرية والداخلية ووزارة الدفاع التي كان يقودها الرفيق المناصل علي عنتر وهو نفسه أي عنتر الذي كان بمثابة اليد اليمين للرئيس علي ناصر من حيث توافقهما السابق على وجوب نفي فتاح وازاحته من المشهد وهو نفسه أي الرفيق علي عنتر من دخل بخلاف حاد بعد ذلك مع ناصر عام 85م من اجل إعادة فتاح من المتفى ليمارس العمل السياسي مرة اخرى في قيادة الحزب معترفا بأنهم أخطأوا وتعجلوا بقرار نفيه وازاحته من المشهد.

احداث 13 ينابر 1986م

من أراد ان يعرف تفاصيل هذه المرحلة وما قبلها فأنصحه بقراءة كتاب(كنت هناك) للصحافي والمصور الكاتب "ديفيد جارودي"  وهو صحافي وكاتب معاصر للاحداث العربية في مصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن الجنوبي وكان حاضرا المشهد يوم وعشبة احداث يناير عام 86م ولقد كتب بتفصيل دقيق عن ما حدث آن ذاك، حيث ربط حالة الاحتقان السياسي الذي سبق تلك الاحداث كونها احدى اسباب تفجير الاوضاع، مستندا في  روايته على عدد من المقابلات الحصرية التي اجرها مع العديد من الاشخاص المشتركين بشكل مباشر في تلك الفتنة ومن كلا الاطراف، ومجمل ما خرج به الصحافي الكاتب دايقيد جارود أن لا تآمر خارجي قاد لتفجير الأوضاع جنوبا لا من بريطانيا ولا اليمن الشمالي،موعزا السبب لأزمة الثقة وسؤ الفهم الحاصل بين الاخوة الرفاق وهو السبب نفسه الذي أدى بمقتل عشرة الاف شخص خلال عشرة ايام من الطرفين!متسائلا: لماذا؟ وعلى ماذا؟ ولأجل ماذا؟ أمن أجل سؤ فهم الاخر..

اننا هنا لسنا بصدد استذكار ماضينا الاليم أو القاء اللائمة على طرف من الاطراف فالحميع يتحمل مسؤلية ما حدث أمام الله والشعب الجنوبي لكننا لا شك ما زلنا حتى اليوم متأثرون من تلك الاحداث مهما حصل فيما بعد من دعوات للتسامح والتصالح الجنوبي حيث التقى الجميع لتوحيد كلمتهم وصفهم من جديد للخروج من دائرة الظلم الذي لحق بهم من قبل نظام صنعاء بعد قرار متهور وغير مدروس القى بمصير شعب الجنوب نحو الهاوية السحيقة، والمصير المجهول ثم تجرع الشعب مرارتها وما يزال حتى اليوم.

الحرب الحوثية على الجنوب:

لقد كان لتقلب المشهد السياسي اليمني وصراعاته المتعددة دينيا وحزبيا ومناطقيا منذ العام العام 2003م مرورا بالعام 2007م والاعلان عن تأسيس الحراك الجنوبي السلمي في الجنوب وانتهاء بثورة فبراير عام 2011 وسيطرة مليشيات الحوثي على المشهد عام 2015م كان لذلك اثرا ايجابيا في تنامي قوة الحراك الشعبي الجنوبي وانتقاله من مرحلة الثورة السلمية الى مرحلة الكفاح المسلح بعد ان تلقى الدعم المادي والعسكري من دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية واصبح أقوى أكثر بإعلان تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي منظم يمتلك الحامي العسكري، وأكثر تنظيما واجدر ادارة لقيادة مرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلوماسي بجانب مهام تأمين محافظات الجنوب من خطر الغزو اليمني..

أن المرحلة الراهنة تختلف تماما عما سبقها من المراحل النضالية من حيث اختلاف المشهد العسكري الاقليمي والدولي الذي اصبح يلقي بضلاله على مصير عديد من دول المنطقة العربية،هذه المصالح الدولية اصبحت العائق الكبير الذي يقف حائلا دون انجاز ما تبقى من خطوات نحو اعلان استقلال دولة الجنوب، فمن التدخل الاجنبي عدم السماح للقوى اليمنية بالدخول الى صنعاء وازاحة المليشيات الحوثية عن الحكم ودعم بقاء المليشبات الحوثية عسكريا واستقرار وضعها اقتصاديا باتخاذ عدد من الخطوات المدروسة والمكشوفة، يقابلها خلق فساد مالي واداري وتدهور معيشي في المحافظات اليمنية المحررة ومحافظات الجنوب وهو ما جعل قيادة المجلس الانتقالي في موقف صعب و لا تحسد عليه امام مناصروها وشعبها الداعم لها في عموم المدن والايارف الجنوبية، إذ ينتظر منها اتخاذ قرار قوي وجريء حتى ولو تعارض ذلك مع مصالح دول التحالف ودول الهيمنة، لكن في المقابل هناك الكثير من القرارات الممكنة التي في متناول اليد  وتتمثل بالعمل على اصلاح بعض الفساد الذي يمارس في المؤسسات المدنية والامنية والعسكرية وايقاف العبث بممتلكات الدولة ووضع حد للمتلاعبين بارتفاع صرف العملات والعمل على تحسين الخدمات للمواطن، كما أن على قيادة المجلس التعلم من تجارب الماضي وانتهاز الفرص السانحة للخروج من شراك وقيود التحالف الوهمي مع من تسمى بالشرعية اليمنية وان يمتلك من احجار الشطرنج ما يستطيع ان يهاجم ويدافع به اذا لزم الأمر، وعليه البحث في الوسائل المتاحة عن ما يمكنه من الاستغناء عن دعم وهبات دول التحالف في حال وقفت حائلا امام تحقيق مصالح الشعب الجنوبي، يبحث عنها ليمتلك  القدرة على القيام بواجباته الثورية وليستمر  في قيادته للمرحلة بصفته شريك ند مع دول التحالف وليس شريك تابع ينفذ مصالحها حتى ولو كانت تلك المصالح تتعارض مع تطلعات ومبادئ وتضحيات شعب الجنوب.

مقالات الكاتب