هاني سالم مسهور
اليمن في خطاب نصرالله.. دفع المجنون إلى الهاوية
في المثل الشعبي اليمني: “الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي” ما يختزل كثيرا مما يتعلق بخطاب حسن نصرالله الثاني بعد تصفية إسرائيل للقيادي الحمساوي صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، ما يعدّ مفاجئا في حديث نصرالله الطويل أنه قرر العودة خطوة إلى الخلف من حافة الحرب مع إسرائيل عارضا تسوية لترسيم الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، ومع هذه المفاجأة فإنه في المقابل دفع بالحوثيين إلى الهاوية وهو يضعهم فيما يفوق التصورات الموضوعية معتبرا أنهم جزء من المعادلة الدولية.
التناقض في حديث نصرالله بين لبنان واليمن يدعو إلى النظر إلى أنه يحاول الحفاظ على ما تبقى له من شعبية في الأوساط المجتمعية اللبنانية ولا يريد تكرار مغامرته المتهورة في 2006 والتي كبدت البلاد خسائر اقتصادية لم يستطع معالجتها، وفيما هو يراعي الحسابات اللبنانية لم يضع في اعتباره أن اليمنيين لا بد وأن يحافظوا على حساباتهم السياسية، فهو حين يواصل الدفع بهم إلى الحرب المباشرة وغير المتكافئة مع الولايات المتحدة، يظهر تناقضا لافتا في المقاربة بين اليمن ولبنان ضمن حسابات أحد أهم زعامات المحور الإيراني.
لماذا يدفع باليمنيين إلى الحرب مع الولايات المتحدة والغرب بينما يبحث عن صفقة سياسية مع إسرائيل؟ المراقب لخطابات نصرالله حول اليمن سيرى بوضوح أنه لطالما تجنب نعي قتلى حزب الله الذين قتلوا في اليمن فهو يكتفي عادة بتمرير تحياته لليمنيين دون أن يسجل لهم الأسبقية أو حتى منحهم صفات البطولة، ومع ذلك فإنه وهو في هذا المعترك من المواجهة لم يراع أن الحوثيين كانوا على وشك تسوية سياسية تكاد تمنحهم شرعنة الحكم على شمال البلاد وتضعهم عمليا في معادلة سياسية يمنية دفعوا ثمنها في حروب ممتدة من 2004 حتى وصلوا إلى ما يكاد يكون جائزتهم بشيء من الشرعنة لحكم شمال اليمن.
الحوثيون أشبه بمجنون يجلس على الرصيف ويقذف بالحجارة على السيارات المارة بالشارع فيصيب واحدة ويخطئ في عشر ومن ورائه حشد من المشجعين له بينما يتكفل أحدهم بتقريب المزيد من الحجارة له
الدعم اللوجستي وحتى الاستخباراتي إضافة إلى تهريب الأسلحة كان دورا مهما لعبه حزب الله لدعم جماعة الحوثي خاصة بعد انقلابها على السلطة في سبتمبر 2014، ورغم أن ما كان يروج بأن العلاقة بين صنعاء والضاحية الجنوبية يشكل القوة المركزية لما يطلق عليه “وحدة الساحات” إلا أن ما تلا هجمات حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 يبدو وكأنه غيّر التوازنات داخل المحور الإيراني. الحوثيون تصدروا المشهد بعد أن دشنوا عمليات قرصنة بحرية في جنوب البحر الأحمر وهددوا بإغلاق باب المندب وأطلقوا صواريخ بعيدة المدى صوب ميناء إيلات الإسرائيلي كما أنهم اختطفوا سفينة تجارية وهاجموا البوارج الأميركية بطائرات مسيّرة.
الحوثيون أشبه بمجنون يجلس على الرصيف ويقذف بالحجارة على السيارات المارة بالشارع فيصيب واحدة ويخطئ في عشر ومن ورائه حشد من المشجعين له بينما يتكفل أحدهم بتقريب المزيد من الحجارة له، المشهد وإن بدت فيه سخرية فاليمنيون المشحونون بالعواطف الجياشة يحتشدون بالملايين في شوارع شمال اليمن مزهوين بطائرات حربية متهالكة تحلق فوق رؤوسهم، يحدث ذلك فيما أيضا يتضورون جوعا ويشتكون من انقطاع رواتبهم وانهيار اقتصادهم بينما أسمعهم حسن نصرالله كلمات مؤلمة وهو يتحدث عن التزام حزبه بدفع مستحقات قتلاه في الاشتباكات مع إسرائيل وتعهده بدفع التعويضات لعوائلهم.
لن تنزعج كثيرا قيادات جماعة الحوثي وحاضنتها الشعبية تستمع إلى ما تحصل عليه عائلات حزب الله فالحاضنة الحوثية مغيبة بمفاعيل القات. المفارقات والتناقضات كبيرة ولافتة بين ضاحية بيروت الجنوبية وصنعاء إلا أنها لن تغير من قواعد الاشتباك في المدى القصير، والدفع بالحوثيين إلى مغامرة تشابه تلك التي قامت بها حركة حماس بمواجهتها لإسرائيل بهدف الانقلاب على مسار السلام في الشرق الأوسط وعلى ما يبدو أن هناك مخططا آخر لجر الأميركيين إلى حرب في اليمن وإن كانت محدودة، فهي قد تعطي إيران فرصة لتعزيز تفاوضها حول صفقة البرنامج النووي.
لطالما اعتبر الحوثيون الذراع الأقل أهمية ضمن ما يسمى بمحور المقاومة حتى وهم يشعلون باب المندب بأزمة تمس مباشرة بالتجارة الدولية، والاستخفاف بعقلية الحوثي كونه باحثا عن موقع أكبر من إمكانيات أفراده يتجلى مع دفعهم إلى حرب بعد أن خرجوا من حرب التسع سنوات طحنوا فيها بلادهم طحنا، فدمروا ما بني فيها في نصف قرن رغم أنه بناء هشّ لكنه تدمر مع تحطيم آمال أجيال من الشبان الذين وجودا أنفسهم مرغمين على الهجرة أو الانخراط في حروب الحوثيين متعددة الجبهات، استرخاص الدم اليمني وعدم الاكتراث بمدى قيمته يبدوان ملائميْن لذلك المثل الشعبي “الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي”، فالحجر من اليمن والدم من رأس اليمني ولن تخسر إيران أو حزب الله شيئا فالكارثة سيدفع ثمنها اليمنيون كما دفعه الفلسطينيون الأبرياء في غزة.