هاني سالم مسهور

ميراث اليمن الجنوبي

وكالة أنباء حضرموت

بينما يشهد جنوب شبه الجزيرة العربية تفاعلات ممتدة تاريخياً فإن ما يجدر الاهتمام به والنظر إليه بشجاعة أن القضية الجنوبية تبقى حجر زاوية.

وتتطلب معالجة سياسية ضمن سياسات تبريد المنطقة الشرق أوسطية في ظل المنهجية المتبعة من دول الإقليم، ومع جهود التسوية للأزمة اليمنية من المؤكد أن هناك حاجة أساسية لتعريف قضية الجنوب العربي كمدخل موضوعي للحل الممكن وهو ما يجدر أيضاً بالعقل السياسي العربي أن يمضي فيه.

المطالب الشعبية العريضة في جنوب اليمن بفك الارتباط عن الجمهورية العربية اليمنية تطرح زاوية أهملت في المناقشات السياسية بمفاعيل الصراعات والمناكفات الجدلية بين الخصوم والمدعين للوصاية على الحقوق، المهمل في أن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت وطناً كامل السيادة بجغرافية محددة ومعترف بها ولديها مقعدها في الأمم المتحدة وكافة الهيئات والمؤسسات الدولية من الفترة 1967 حتى 1990 كانت قد تنازلت طوعياً عن كل ذلك ودخلت في الوحدة الاندماجية مع الشطر الشمالي قبل أن يغدر الشريك اليمني بالجنوبي ويحتل أرضه ويلغي وجوده السياسي بسياسة فرض الأمر الواقع بعد حرب صيف عام 1994.

الكثيرون يتجنبون الإشارة إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي الناشئ في 2017 عليه أن يتحمل إرث جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تماماً كما تحملت روسيا إرث الاتحاد السوفياتي.

لم تتخلَّ القيادة الروسية عن ميراث السوفيات سياسياً وعسكرياً وحتى اقتصادياً واجتماعياً فهذه تركة لدولة كانت قائمة من 1922 حتى 1991 عندما أنزل العلم السوفياتي من سارية الكرملين، وحتى في عهد القيادات الروسية الهشّة لم يتم إنكار الاتصال مع الدولة السابقة تأكيداً على أن الاتحاد الروسي يمثل الوريث الشرعي سياسياً للسوفيات.

من الخطأ النظر إلى أن تركة دولة اليمن الجنوبية يجب التخلي عنها كونها تمثل نظاماً ذا توجه اشتراكي ماركسي فهذا التوجه لا يعني إسقاطاً قانونياً لحقوق الدولة، ما كانت عليه التوجهات الأيديولوجية لا يسقط أي حق قانوني، فلقد كان المحيط الإقليمي يحمل توجهات أيديولوجية مضادة في التطرف الديني الرجعي ولا يعني أنه قد تخلى عن (بعض) منها أنه كان على صواب والجنوب على خطأ فهذه توجهات سياسية لا تدخل في متعلقات استعادة الكيان السياسي بكامل ما كان عليه قبل 1990.

بحسب القانون الدولي، فإن لليمن الجنوبي أن يعتمد على مقررات حصوله على حق الاعتراف كدولة، وعليه أن يتحمل تبعات المديونيات المالية لتلك الدولة كما له أن يطالب باستعادة جميع مؤسساته الاقتصادية من مصانع وهيئات كانت قائمة، هذه هي الجزئية الأهم في الإرث السياسي أما توجهات نظام الحكم فليس لأحد من القوى الدولية والإقليمية التدخل فيها مع تأكيد أن معالجات وطنية تحققت في إطار الحراك الجنوبي السلمي على اعتبار أن تحقيق قاعدة التصالح والتسامح في جمعية ردفان 2006 أسس لمرحلة وطنية جديرة بالنظر إليها كما ينظر في العالم باحترام لتجارب وطنية أخرى في جنوب أفريقيا ورواندا بعد حروب أهلية وصراعات دموية أفضت إلى مصالحات وطنية.

قرارا مجلس الأمن الدولي (924 و931) يمنحان المجلس الانتقالي الجنوبي بصفته الاعتبارية والقانونية وبالتفويض الشعبي الذي حصل عليه في إعلان عدن التاريخي وما أفضت إليه سلسلة الحوار الجنوبي بالتوقيع على الميثاق الوطني في الثامن من مايو/أيار 2023 الحق السياسي والقانوني بالارتكاز على ما أعلنه رئيس المكتب السياسي للحزب الاشتراكي علي سالم البيض في 1994 من فك الارتباط، هذه قواعد قانونية ليست متعلقة بالأهواء والدوافع لتثبيت سياسات وتوجهات جماعة الإخوان في الجنوب تعززها القوى التقليدية المتخاصمة تاريخياً مع الدولة الجنوبية من قبل نشأتها ككيان سياسي واحد جمع السلطنات والمشيخات في وطن سياسي له كامل الحق في أن يطالب جميع خصومه بموجب القانون الدولي الإنساني عما ارتكبوه من جرائم سياسية وإنسانية بحق الجنوبيين فإرث اليمن الجنوبي حق مكتسب تعززه القوانين والتشريعات السماوية قبل البشرية.

مقالات الكاتب