هاني سالم مسهور

إماطة اللثام عن إخوان حضرموت

وكالة أنباء حضرموت

لم تستطع جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في مطالع القرن العشرين أن تحصل على فرصة لنشاط يذكر في حضرموت لطبيعة هذه البلاد فهي تمتلك حصانة ذاتية من الأفكار المتعصبة مذهبياً.

على امتداد العصور والأزمنة تشكلت الحصانة بمفاعيل الوجود المذهبي الذي عرفته تريم من نزول أحمد بن عيسى المهاجر الذي جاء إليها قادم من البصرة عند العام الهجري 319، وبعد عقود تكونت ما يعرف بالمدرسة الشافعية الحضرمية وهي تعريفاً للنهج الوسطي المعتدل الذي راج في الشرق الآسيوي والأفريقي وتأثرت به كثير من البلاد التي وصلتها الهجرات الحضرمية.

 

في الساحل الحضرمي كانت السلطنة القعيطية ذات نزعة تقدمية لاهتمامات حكامها بالتعليم، فظهرت في الربع الأول تيارات تنويرية مشهودة متأثرة بالمهاجر، انتقلت حركة التنوير إلى السلطنة الكثيرية وأن كان بدرجة أقل غير أنها أفرزت شخصيات سبقت عصرها في الفكر السياسي كما كان مع تجربة عمر سالم باعباد واضع أول دستور وطني في شبه الجزيرة العربية ضمن مساع لتوحيد السلطنات التي كانت تعرف بالمحميات الشرقية الخاضعة للانتداب البريطاني الذي كان مستعمراً لمدينة عدن، ومع نشأة الدولة الوطنية في مصر 1952 وانتشار الحركة الناصرية تأثرت المنطقة كلها بما فيها الحواضر في جنوب جزيرة العرب.

 

زخم القومية اجتاح النخب بما فيهم سلاطين الجنوب أنفسهم وما كان التحاق سلطان لحج العبدلي بالتيار القومي سوى صورة قد تكون غير مألوفة إلا انها حدثت مما يؤكد حجم التأثر، في حضرموت كذلك نشطت الحركة القومية وتفاعلت حتى بلغت قيام طلبة المدرسة الوسطى بمدينة غيل باوزير بأنشطة سياسية متعددة في سياق التفاعل الشعبي مع الحوادث السياسية التي يقودها الزعيم جمال عبد الناصر وتتفاعل معه الشعوب العربية خاصة وأن حركات التحرر الوطني كانت تتوسع متأثرة بالعدوان الثلاثي 1956 وما تلاها من أحداث شكلت وجه المنطقة آنذاك.

 

تكشف سجلات تأسيس حركة القوميين العرب وجود علي سالم البيض ضمن المؤسسين وهو شخصية حضرمية لعبت أدوراً تاريخية كبرى غير أن ظهوره ضمن السجلات يؤشر إلى مدى ما كانت عليه حضرموت بدوافعها القومية، ومع نشأة الجبهة القومية في عدن وتحقق الاستقلال الوطني بجلاء الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967 وضعت البلاد دستوراً قائماً على نهج علماني لم يسمح لتيارات الإسلام السياسي أن تجد لها من فرصة للنشاط المجتمعي، الصراع بين الرجعية والقومية شكل أحد أهم العوامل الذي وضع اليمن الجنوبي في تصادم مباشر مع التيارات الدينية، وحتى قيام دولة الوحدة في 1990 لم تعرف البلاد حركة دينية فلقد كان التعامل صارماً حتى مع ما يسمى جماعة التبليغ التي نشطت في كل مكان إلا في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

 

من اليوم التالي للوحدة بين عدن وصنعاء ظهر للمرة الأولى عناصر جماعة الإخوان في الجنوب فكان ظهورهم لافتاً في المساجد ثم نشطوا من خلال فروع حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي سعى مبكراً لافتتاح مراكزه في كل المدن والقرى الجنوبية، نشط أفراد جماعة الإخوان ضمن خلايا التي أوكلت إليها مهمة التصفيات الجسدية للكوادر الجنوبية فلقد كان عناصر الإخوان ملتحقين أصلاً في قطاع الاستخبارات (الأمن السياسي)، ومع اندلاع حرب صيف 1994 ظهرت حقيقة عناصر التنظيم والمهمة التي كانوا مكلفين بها وهي التمهيد للأفغان العرب الذين لعبوا الدور الحاسم في معركة احتلال اليمن للجنوب.

 

بعد أن وضعت الحرب أوزارها وبسط اليمن سلطته على الجنوب بدأت خيوط إخوان حضرموت تنشأ عبر شبكة واسعة من المراكز الخيرية والتعليمية، تدفقت التمويلات المالية لتعزيز سيطرتها ومع ذلك فإن فرج بن غانم الحضرمي ذا التوجهات الليبرالية لم يتعاط مع هذه القوى وكان رافضاً لتوجهاتها حتى جاءت انتخابات الرئاسة 2006 ودفع حزب الإصلاح بالمرشح فيصل بن شملان وخلال هذه الفترة برزت العناصر الحضرمية الإخوانية على الساحة وتلاها تصعيد لوجوه جديدة فلقد أفضت الانتخابات لانقسام في داخل سلطة صنعاء بين علي عبدالله صالح وأبناء حليفه عبد الله الأحمر.

 

بحلول العام 2011 كانت حضرموت تحت سلطة مطلقة من حزب التجمع اليمني للإصلاح فلقد اشتملت السيطرة على المناصب الإدارية والعسكرية والأمنية، حظيت عناصر تنظيم القاعدة بحرية الحركة في معسكرات الجيش والأمن فانتشرت تجارة تهريب الأسلحة والمخدرات حتى صنفت حضرموت بأنها ممر دولي لتجارة الممنوعات، في 2014 سقطت صنعاء بقبضة الحوثيين ونشطت في حضرموت التصفيات الجسدية للكوادر الجنوبية المحسوبة على الحراك الجنوبي فيما بد أنه انفلات أمني بينما كان تحضير لما سيأتي لاحقاً.

 

بعد ثمانية أيام فقط من بدء عملية عاصفة الحزم وفي 2 أبريل 2015 (سُلمت) المكلا عاصمة محافظة حضرموت دون مقاومة تذكر لتنظيم القاعدة، كان المشهد الدراماتيكي باذخاً في كشف الحقائق فلم تكن التصفيات للكوادر الأمنية الجنوبية سوى تمهيداً لتنفيذ المخطط الذي كان قد توافق عليه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان مع الحرس الثوري الإيراني بعد سقوط حكم الجماعة في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 بأن تتحول اليمن جنوباً وشمالاً لمنطقة استنزاف سياسي واقتصادي للسعودية التي كان لعاهلها الملك عبدالله مع الشيخ محمد بن زايد موقفاً حاسماً بتأييد الثورة الشعبية المصرية.

 

إخوان حضرموت لم يقدموا مبادرة علنية مناهضة لاحتلال المكلا فيما كانت القوات الإماراتية تحضر بسرية تامة لعملية عسكرية تمت في إبريل 2016 لم تهزم فقط تنظيم القاعدة بل أسست النخبة الحضرمية لتقوم بالمهام والواجبات الأمنية والعسكرية على طول الساحل الحضرمي، بعدها نشط إخوان حضرموت مجدداً وانخرطوا ضمن الحملات الدعائية المناهضة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشريك الأساسي في التحالف العربي لمحاولة إيجاد شرخ في الحلف العسكري يعيد لهم التوازن ليحافظوا على مكتسباتهم في حرب اليمن.

 

القضية الحضرمية في مضمونها صراع وجودي بين جماعة الإخوان والقوى الوطنية ولذلك فإن تصوير الدعوة لفك الارتباط عن الجمهورية العربية اليمنية يعني العودة إلى الوضع الصحيح بأن هذه الأرض لا يمكنها أن تحتضن هذا التيار الديني، وتحت أغطية الدعم الخيري تستمر السيولة المالية المتدفقة على المؤسسات والمراكز ذات الأثر المحدود فرؤوس الأموال التجارية التي تظهر نفسها على اعتبار أنها وجهاء للمجتمع الحضرمي لم تقدم مشاريع مستدامة لتبقى المجاميع البشرية في حالة تسوّل دائمة لعطايا هذه الرؤوس الغارقة في الفساد السياسي مع أنظمة الحكم اليمنية.

 

إخوان حضرموت يصفون القوى الوطنية أنها امتداد للجبهة القومية ولنظام الحكم الاشتراكي متجاهلين أن المدّ القومي قد تلاشى والاشتراكية قد انتهت وأن الشيوعي الأخير تتسابق عليه الدول لعقد الصداقات معه، سياسة إخوان حضرموت التضليل واستخدام الغطاء الإعلامي دون إدراك أنهم يمثلون خطراً حقيقياً على النظم السياسية في المنطقة العربية التي صنفتهم جماعة إرهابية محظورة.

 

تعيش حضرموت واقعاً يفترض أنه انتهى منذ صلح القبائل في 1937 الذي رعاه الإنجليزي انجرامس فلقد عادت النعرات المذهبية والقبلية وتفشت الأميّة، إخوان حضرموت أجرموا بحق هذه البلاد بتدمير الشخصية السياسية، فلم ينجح الحضارمة أن يقدموا شخصية سياسية باستثناء محاولات للتيار الليبرالي في المكلا تم وأدها بتصدير الشخصيات القبلية لتتصدر المشهد السياسي وتقدم حضرموت بلا مشروع واضح يكشف بؤس الحالة الحضرمية.

 

سيظل هذا الملف الملغوم من الملفات المحرم الاقتراب منها فمن الصعب على الباحثين التغول فيه لما يمتلكه إخوان حضرموت في الخليج وشرق آسيا من نفوذ تكشفه قدرتهم على التحوط من مجرد توجيه النقد للفساد المالي والإداري على كل شبر من الأرض الحضرمية، إماطة اللثام عن كامل بشاعة جريمة فرع الجماعة الحضرمي ستكتمل فصولها وما خفيّ أعظم.

مقالات الكاتب