ناصر التميمي
الشاعر عبود بن وبر أسطورة الزمن الجميل..!
يعد الشاعر الشعبي الحضرمي عبود سعيد بن وبر واحد من أبرز الشعراء الشعبيين في حضرموت في القرن العشرين ،وهو من مدينة الشحر قدم إلى منطقة ميفع في أواخر الأربعينات من القرن الماضي للعمل فيها ،في الشركة الحضرمية التي كانت تعمل في ميفع ولديها استثمارات في القطاع الزراعي إبان حكم السلطنة القعيطية.
وفيها وجد شاعرنا المخضرم بن وبر المناخ ملائم للعيش والإستقرار بين أهله وأحبابه ،الذين يمتازون بالطيبة والكرم وعاش بينهم أكثر من عقدين من الزمن ،حتى أصبح واحد منهم ،وكانت تربطه علاقات اخوية مع كثير من أهل المنطقة الذين احبوه واحبوا أشعاره الجميلة التي كان لها صداها ،وفي هذه الفترة التي قدم فيها إلى دلتا ميفع ،تعرف على عدد من الشعراء الشعبيين من امثال الشاعر الشعبي (المشعطر) الذي كانت تربطه به علاقة صداقة متينة، وشكل معه ثنائي قلما تجد مثيله في الوقت الحالي ولهما كثير من المساجلات الشعرية التي كانت تقام في الأعراس والمناسبات وللأسف الشديد أن الكثير منها ضاع ولم يبقى له أي أثر في وقتنا الحاضر، السبب انه لم يكن أحد يهتم بالتدوين وقتذاك إضافة الى وفاة الشخصيات الذين كانوا يحفظون الأشعار من أبناء المنطقة ،في تلك الفترة الذهبية.
وأنا كوني باحث في التراث والموروث الشعبي الميفعي ،فمنذ سنوات وأنا أبحث عن كثير من المعلومات التاريخية والأشعار الشعبية لكثير من شعراء المنطقة في الزمن الجميل،ولم احصل الا على القليل منها نظرا لشحت المصادر ،الا أنني استطعت وبعون الله اولا وبمساعدة البعض من كبار السن والمعمرين الذين عاشوا في تلك الفترة ،من توثيق جزؤ بسيط من موروتنا الشعبي الذي ضاع من بين أيدينا للأسباب التي ذكرتها سلفا وان حالفني الحظ وساعدتني الظروف سأكتبها في كتيب يكون مرجع للأجيال القادمة للإطلاع على تاريخ هذه المنطقة التي تحتل موقعا استراتيجيا هام وتحتوي على كم هائل من الموروث الشعبي.
وشاعرنا بن وبر له صولات وجولات في الشعر الشعبي ،وقد نظم في ميفع خلال فترة إقامته فيها، كثير من القصائد التي كان لها صداها وأصبحت له مكانة شعبية كبيرة بين أهالي المنطقة التي كانت تزخر بالموروث الشعبي والألعاب الشعبية، وكان يتبارز فيها فحول الشعراء حينها وعلى رأسهم المرحوم يسلم المشعطر والوبر وسعيد بن صالح وعوض رمضان والشدمة وبامهدي وباكردوس وآخرون لايتسع المجال لذكرهم في هذا الحيز،وحسبما قيل لي ممن القيت معهم لقاءات من المعمرين بأن الفترة التي وصل فيها الشاعر عبود بن وبر إلى المنطقة كانت من أزهى الفترات وانتقلت الساحة الأدبية نقلة نوعية ويعود له الفضل في احياء الكثير من السمرات وجلسات الشعر مع رفيقه يسلم المشعطر حيث أنه كسب شهرة كبيرة جدا بين أوساط الناس ،وكان يحظى باحترام كبير ،ومن اهم روائعه الشعرية هي قصيدة (الشاة) التي ألقاها في ستينات القرن الماضي ،ان لم تكن هي أفضل واطول قصيدة يلقيها في أعماله التي ألقاها خلال حياته، حيث قال فيها مالم يقله مالك في الخمر،و تتكون من مائة بيت ،وتحدث فيها عن ما أسماه الشاة التي جرفها السيل حسبما جاء في أبيات القصيدة ،وكما يقول المثل السر في بطن الشاعر، وفي الأصل فإن هذه القصيدة هي سياسية بإمتياز ولها مغزى سياسي تحكي عن الواقع الذي كان يعيشه الإنسان كما قيل لي إبان الإستعمار البريطاني .
فقد استمعت لأبيات منها من أحد المواطنين الذي يحفظون من أشعار عبود فاعجبت بكلماتها فطلبت منه أن يكملها لي فرد علي بحسرة لا احفظها كاملة باولدي !فأجبته قائلا ؛ مع من سأجدها؟ فرد علي بهذه العبارة مستحيل تجدها !!لكني لم أصب باليأس بل ظليت أبحث عنها من شخص إلى شخص، كالذي يبحث عن إبرة في كومة قش ،وبتوفيق من الله فقد سخر لي الشخص الذي توجد معه نسخه مكتوبة ومدونة ممن عاصروا الشاعر من
المعجبين بأشعاره ،و لم يبخل علي بمنحي نسخة منها فقدمت له الشكر الكثير على ماقدمه لي من هدية التي ظليت أبحث عنها مايقارب السبع سنوات حتى وجدتها،ومازلت احتفظ بها .
الحديث عن الشاعر عبود بن وبر وأشعاه شيق وذو شجون ،وماألقاه من قصائد كثيرة جدا لاسيما خلال فترة تواجده في بلده الثانية ميفع، لكن للأسف الشديد أغلبها تعرضت للضياع ،وهو شاعر من الطراز الأول .. وأسطورة الزمن الجميل..!