محمد مرشد
الاتراك يحملون إردوغان مسؤولية النكبات والفشل في إدارة الدولة
فتحت المعارضة التركية النار على الرئيس رجب طيب إردوغان، ومثلت تصريحات الناطق باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشيليك، مباشرة في أعقاب الزلزال، والتي نسب فيها إلى حزبه، وشريكه في تحالف الجمهور "حزب الحركة القومية"، فضل المساهمة في الإنقاذ، متجاهلاً كل القوى السياسية الأخرى، شرارة استنفار المعارضة، وعلى رأسها زعيمها، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو، فيما أشار كتاب كثر إلى تقاعس السلطات وتقصيرها في استباق الكارثة، كما في التصدي لها بعد وقوعها.
وبعد جولة قام بها في المناطق التي ضربها الزلزال، في إقليم هاتاي برفقة جميع رؤساء البلديات الكبرى (أنقرة، إسطنبول، مرسين، إزمير وهاتاي)، قال كيليتشدار أوغلو إن ما رأيناه على الشاشات ليس بشيء أمام هول الكارثة على الأرض، ونحن أمام مشهد ثقيل جداً، ما جرى كان نتيجة لسياسات الريع المنظمة التي اتبعتها السلطة، مضيفاً إنه لن يلتقي أبداً مع هذه السلطة، ولا مع عصابات الريع، وإذا كان من مسؤول عن ذلك، فهو رجب طيب إردوغان، ورأى أن السلطة لم تنشغل باحتياجات المناطق بل انشغلت، بدلاً من ذلك، بتغيير المجالس المحلية، ووضع السلطات المنتخبة تحت الضغط، حتى الجيش لم يدرج بطريقة يمكن الاستفادة منه بشكل كاف، وبقي متأخراً عن التحرك، والله لا يعرفون كيف تدار الدولة وبكل وضوح أقول: إن المسؤول عن ذلك هو رجب طيب إردوغان، عشرون عاماً مضت وسلطة إردوغان لا تعرف كيف تتهيأ للزلازل، لذلك لا أفكر أبداً في اللقاء معه، وبحسب تصريحاته، فإن الضرائب المخصصة للزلازل أُعطيت للعصابات التابعة لهم، والضرائب التي دفعها الشعب لم يرها عندما صار بحاجة إليها، كان هم إردوغان الانتخابات والسلطة، لا بد أن من محاسبة الذين بددوا أموال الدولة.
وقال الكاتب مراد يتكين، إن السكان لا يلومون فرق الإغاثة التي تقوم بما عليها، بل عدم كفاءة الحكومة في إدارة الأزمة، وأنهم يرون في إعلان حالة الطوارئ مؤشراً إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام، على رغم أن وزير المالية نور الدين نباتي، وصف الوضع بأنه تحت السيطرة، ويشير يتكين أيضاً إلى الفضائح التي تخرج من إقليم هاتاي، حيث تضرر المطار الذي عند إنشائه في عام 2007، اعترض البعض بالقول إن الأرض مائية ولا يجب البناء عليها، كما تدمر مستشفى الإسكندرون ومبنى إدارة الكوارث نفسه، ووفقاً للكاتب، فإن معظم المؤسسات في الإقليم بقيت محرومة من الخدمات قبل الكارثة كون البلدية بيد حزب الشعب الجمهوري المعارض، وعندما وقعت الواقعة كانت الإمكانات قليلة بسبب عقوبات السلطة على البلدية، ويورد يتكين أن سلطة "العدالة والتنمية" أعطت تراخيص بناء منذ عام 2002، في المناطق التي حصل فيها زلزال 1999، معتبراً أن سوء الإدارة والفوضى الذي واكب مواجهة الزلزال، سيحدث منذ الآن، هزات ارتدادية كبيرة في السياسة.
على ذات الصعيد، انتقد العديد من الخبراء العسكريين تراجع الدور الذي تقوم به القوات المسلحة من شريكة في الحل إلى مساعدة فيه، وفي مقالته بعنوان (إنه يوم الحساب)، يكتب محمد كون: إننا نواجه واحدة من أعظم الكوارث في تاريخنا، وبعد زلزال 1999، فرضنا الضرائب لجعل الأبنية أكثر مقاومة للزلازل وتعزيز السابقة وهدم المعرضة منها للخطر، لكننا لم نفعل شيئاً، لا نعرف أين ذهب المال وأنشئت مبان غير سليمة وعلى خط صدع الزلازل ومن دون رقابة وطرق ضعيفة، فما الذي سيقوله الآن أهالي الضحايا؟ حتى دافعو الضرائب ذهبوا ضحية الزلزال، ويتساءل الجميع أين الدولة وأين الحكام، ويرى كون أن الوقت الآن هو للملمة الوضع وإنقاذ الضحايا وفي الوقت نفسه يجب ألا ننسى ذلك ونبدأ المحاسبة.
من جهتهم، أنتقد العديد من الخبراء العسكريين تراجع الدور الذي تقوم به القوات المسلحة من شريكة في الحل إلى مساعدة فيه، وذلك بموجب "قانون تأسيس هيئة إدارة الكوارث" في عام 2009، ويلاحظ هؤلاء أن طريقة عمل الهيئة ناقصة ولا تلبي احتياجات الكوارث، وفي هذا الإطار يقول الجنرال المتقاعد، طارق أوزكوت، إن الجيش يحارب في الحرب العدو، وفي السلم الكوارث، وإنه على الرغم من كل شيء، فإن نظام التراتبية موجود فقط لدى الجيش، وفي هذه الحالة فإن المدنيين لا يمكن أن يقوموا بإدارة الوضع، مضيفاً إن إدارة الكوارث يجب أن تسلم للجيش ويتحدد قائدها ويمر كل شيء عبره، ولو كان هذا حصل، لكانت أنشئت مستشفيات ميدانية بدلاً من تلك التي تهدمت، وأرسل الأطباء العسكريون إلى المناطق المتضررة، ولهرع العسكر من دون تضييع وقت لمساعدة المواطنين.
وفي الاتجاه نفسه، يبين الجنرال المتقاعد، أحمد ياووز، أن الجيش له القدرة على العمل في عمليات الإنقاذ والمستشفيات والمطابخ وغير ذلك، وأعتقد أنه تم إضعاف جهوزية القوات المسلحة في هذا المجال، وعلى رغم ذلك، فإن الجيش يبقى المؤسسة الأكثر تنظيماً في حالات الكوارث، ويرى أنه يمكن العمل جزئياً من دون الجيش في مناطق صغيرة، ولكن في الوضع الناشئ عن الزلزال الأخير، كان يجب تكليفه بتولي مسؤولية مواجهته، أما الجنرال المتقاعد نجاتي إيسلين، فيلفت بدوره إلى أن تركيا عاشت كارثة غير مسبوقة، فيما بقيت هيئة إدارة الكوارث عاجزة عن تلبية الحاجات والمساعدة اللازمة، تجربة الجيش بعد زلزال 1999 كبيرة جداً وهو الجيش الثاني في حلف شمال الأطلسي، وكان يجب تكليفه بالتدخل في مناطق الزلزال وبأكبر عدد ممكن.
وتحتضن تركيا "سد أتاتورك" الذي يعتبر العمود الفقري لمشروع كاب GAP وهو الأخطر في العالم بحسب خبراء، ويعد سد أتاتورك من أضخم المشاريع المائية واكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في تركيا والذي استغرق بناؤه حوالي 10 سنوات وينتج حوالي 2.400 ميكاواط من الكهرباء، ويقع السد في أعالي نهر الفرات وعلى مسافة حوالي 80كم شمال غرب مدينة أروفا وعلى بعد حوالي 600 كم من العاصمة أنقرة بين مرتفعات هضبة الأناضول القريبة من الحدود السورية بما لا يزيد على 60كم وأكثر من 180كم جنوب سد كراكيا، وسد أتاتورك هو رابع أكبر سد ركامي في العالم وأحد أكبر منشآت مشروع جنوب شرق الأناضول GAP الذي يتكون من مجموعة سدود ومحطات توليد ومنشآت الري.
وطبقاً لخبراء، فأن مشروع (كاب) التركي له آثاره السلبية على تركيا نفسها كونه يقع ضمن الحزام الزلزالي الفعال وإن منطقة المشروع تحتضن فالق الأناضول الكبير باتجاه شرق - غرب وإن إنشاء هذه المجموعة الكبيرة من السدود العملاقة ذات الارتفاعات العالية والسعات الخزنية الهائلة في فترة قصيرة بحدود (40-50) سنة سيؤدي بلا شك إلى اختلال التوازن الطبيعي وزيادة فعالية هذا الفالق الرئيسي والفوالق الأخرى في منطقة المشروع مثل فالق أو صدع (بوزوفا) القريب جداً عن موقع سد أتاتورك العمود الفقري لمشروع كاب التركي ومناطق الضعف الأخرى في المشروع بسبب البنية التكتونية والجيولوجية الضعيفة للمنطقة.
وتشير المعطيات والمؤشرات بان تحليلات المخاطر الزلزالية التي تم إجراؤها خلال دراسة للدكتور حسن طوسون بعنوان الزلازل والسدود نشر بتاريخ 20 ايار العام 2015، إلى أن سد أتاتورك العمود الفقري لمشروع كاب التركي هو واحد من أكثر السدود الحرجة داخل حوض نهر الفرات، استناداً إلى دراسات المؤلف الأخيرة الخاصة بتحليل المخاطر الزلزالية وتقييم استقرارية موقع السد الثابت والديناميكي، ومعتمداً على الزالزل التي حدثت في منطقة السد على مدى المائة عام الماضية، حيث تم في مرحلة التصميم الأولى للسد أخذ فالق الأناضول الشرقي لتحليل مخاطر الزلازل لموقع السد، بينما تشير الدراسة الحديثة التي أجراها المؤلف إلى الشيء الأهم هو الخوف من فعالية صدع (بوزوفا) القريب جداً من جسم السد وقد يكون مصدراً للزلازل لأن فالق أو صدع (بوزوفا) لديه إمكانات كبيرة لإحداث الزلازل لسد أتاتورك حيث يقع الفالق على بعد 3.0 كم من جسم السد وله اتجاه مواز لقمة السد، ويمكن أن ينتج هذا الفالق زلزالًا بقوة 6.5 إلى 7.0 درجة على مقياس ريختر.
ونتيجة لهذه الدراسة تبلغ قيمة عامل المجازفة الإجمالي (TRF) 146.5 ويتم تحديدها على أنها خطر من الفئة الثالثة، وهذا يعني أن لديها مخاطر عالية للحياة والممتلكات اسفل جسم السد يذكر، إضافة إلى الزلازل المحتثة التي تنجم عن تذبذب مياه خزان سد أتاتورك، لذلك يرى الخبراء أنه بعد أن أدركت الحكومة التركية هذه الوضعية للسد فان السد حالياً لا يخزن اكثر من نصف طاقته الخزنية يضاف إلى ذلك أن أسس السد كلسية قابلة للذوبان بمرور الزمن وتحتاح إلى أعمال تحشية ايضاً، ولكن الإعلام لا يركز عليها بسبب سيطرة الدولة، لذلك ينبغي على تركيا إعادة النظر في سياستها المائية تجاه مشروع كاب ليس بسبب معارضة العراق وسوريا فحسب بل بسبب رد فعل الطبيعة، حيث أن تعرض أي من منشآت السدود إلى مشاكل زلزالية فستكون هنالك كوارث لا تحمد عقباها، حيث أن سد أتاتورك يعاني أيضاً من بعض المشاكل في حالة الثبات static condition ولا يمكنه تلبية معايير التصميم الزلزالي الحالية حيث أزدادت شدة الزلزال في موقع السد ومنطقة الخزان بعد أن تم حجز المياه في خزان السد منذ 30 عاماً حيث إن خزن كميات هائلة من المياه خلف السدود والتذبذب المفاجئ في مستوى مياه الخزان تسبب في إحداث هزات تعرف بالهزات الزلزالية المحتثة (Seismesoty Indused) وتصل قوة هذه الهزات إلى (6) درجات على مقياس ريختر في أحيان كثيرة، وهذه تسبب أضراراً بليغة بجسم السد وملحقاته، والحالة هذه فإن انهيار أي من هذه السدود ضمن مشروع الكاب سيؤثر بشكل مباشر على السكان والأراضي الزراعية في كل من تركيا نفسها وسوريا والعراق مما يسبب كوارث طبيعية لا تحمد عقباها وخاصة السدود القريبة من الحدود السورية على نهر الفرات والسدود القريبة من الحدود العراقية في حوض نهر دجلة بسبب الطبيعة الطوبوغرافية لها.