صلاح مبارك

سر "حب" بومحضار !

 يوافق اليوم الخامس من شهر فبراير الذكري الثالثة والعشرين لرحيل الشاعر الغنائي الكبير حسين أبوبكر المحضار , الشاعر الاستثنائي , والشخصية الأدبية, والقامة المتفردة الذي خسرته مدينة الشحر وحضرموت والوطن عامه , وخسره الشعر والفن , كما خسره الناس الذي ارتبط بمواقفه وأشعاره بحياتهم بكل تفاصيلها وتجلياتها وتقلباتها معيشة وسياسة والحفاظ على القيم الرفيعة والالتزام بالقضايا العادلة دون انتقاص أو تفريط .. استثنائي في تجربته الثرية متعددة الرؤى والمضامين ثقافة وعمقًا .. متفرد في مشاعره واحاسيسه، التي لا مست الأوجاع والهموم .. قامة في تعامله وانبساطه متعددة الاوجه مع العامة والبسطاء منهم على الأخص حالة مفعمة بالإنسانية , أكسبته حب  الناس أجمعين.. لقد خلدت في ذاكرتي أحد هذه المشاهد ..

في مطلع عام 90م كلفت من قبل مكتب وكالة أنباء عدن بالمكلا بتغطية زيارة معالي وزير الدولة لشؤون الخارجية العُمانية يوسف بن علوي إلى محافظة حضرموت التي وصلها جوًا بطائرة سلطانية (خاصة) , يومها اصطحب الأخ محمد عبدالله المجيدي محافظ حضرموت آنذاك الوزير الزائر في سيارته بينما كانت سيارة الوكالة اليتيمة في صحن المطار هي منقذ الموقف نظرًا لعدم تمكن المراسيم من احضار سيارات لنقل الوفد المرافق للوزير , سيما أن الزيارة – كما بدأ لي – رتبت على عجل فاصطحبنا المرافقين للوزير العُماني , وهم أربعة شباب من مراسيم الخارجية العُمانية .

وفي الطريق من المطار إلى مكان إقامة الضيف العُماني الزائر بدار الضيافة بمدينة المكلا  , وبعد أن تبادلنا أحاديث الترحيب والتعارف أدار الأخ عبدالله المشهور – أطال الله في عمره - (سائق سيارة الوكالة) شريط كاسيت , ومن محاسن الصدف أن يكون للفنان القدير الراحل أبوبكر سالم بلفقيه وهو يصدح برائعة محضارية :

سر حبي فيك غامض

سر حبي ما نكشف

وقد ذابت هذه الأغنية جليد الكلفة أو بالأحرى (دبلوماسية الحديث) وأثارت اشجان الشباب العُمانيين الذين يحفظون أبيات هذه الأغنية عن ظهر قلب ليس هذا فحسب , بل إنني فوجئت أنهم متفقون على الرواية أو المناسبة التي الهمت قريحة ابو محضار باخراجها بتلك الصيغة البديعة .

فقال أحدهم : " لقد طلبنا من الفنان عبدالرحمن الحداد أمس في مقيل أقيم على شرف زيارتنا لعدن أن يسمعنا هذه الأغنية بصوته .."

وللأمانة أنني وزميلي (المشهور) شعرنا بدفء ورقة مشاعر الشباب العُمانيين وبساطة وعفوية وتواضع وصدق وصفاء في نبرة حديثهم تمامًا مثل لباسهم الشعبي التقليدي الذي يوحدهم ويميزهم عن غيرهم .. لم يخفوا بأنهم مأسورين ومفتونين بأغاني وأشعار المحضار التي يعرفون عنها أكثر مما نعرف ونحفظ ! .

وما أن وصلنا مشارف مدينة المكلا حتى طلب مني الشباب الأربعة أن أمكنهم من مقابلة الشاعر حسين أبوبكر المحضار -وجهًا لوجه - , وكان لهم ما أرادوا مساء ذلك اليوم , حيث قابلوا الشاعر المحضار في منزله بمدينة الشحر , فغمرتهم الغبطة والسرور , وكانت سعادتهم لا توصف وهم يبادلونه الأحاديث الودية ويجادلونه على معاني ودلالات أشعاره .. انه سر حب "أبو محضار" الذي ليس له حدود يأٍسر القلوب ويسكن في الأفئدة.

 

ألف رحمة عليه في ذكرى رحيله من الدار الفانية إلى الدار الآخرة.

مقالات الكاتب