محمد مرشد
هل ستبقى القنبلة القذرة آخر حلول أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي
تعد "القنبلة القذرة" من القنابل المشحونة بالإشعاعات، فهي بسيطة التكوين، وغير مكلفة مالياً، وتهدف إلى إثارة الفزع وإلحاق أضرار وخسائر اقتصادية واسعة قد تصل إلى آلاف المليارات من الدولارات، بدون إحداث خسائر بشرية كبرى، وإن كان العلماء يؤكدون أن التعرض للغبار الناتج عن انفجار القنبلة القذرة يعني الموت أو الإصابة بالسرطان وغيره من أمراض الإشعاع الخطيرة.
وطبقا لخبراء عسكريين، فأن القنبلة القذرة، عبارة عن مواد مشعة تعبأ حول مادة متفجرة تقليدية، وتنتشر بقوة الانفجار، والمواد المشعة التي يمكن استخدامها في صنع مثل هذه القنابل متوفرة في الحياة اليومية في أنحاء العالم، سواء في المستشفيات أو المصانع، وتختلف "القنبلة القذرة" عن القنبلة النووية في عدم حدوث عملية انشطار نووي جراء انفجارها، وحتى إذا لم يكن لـ"القنبلة القذرة" تأثير مدمر مماثل لما تحدثه القنبلة النووية يكفي أن نتخيل سحابة مشعة في محطة للمترو بإحدى المدن كم سيكون أثرها مدمراً، وعلى مدى سنوات طويلة سوف ترتفع معدلات الإصابة بالسرطان.
ويؤكد الخبراء بأنه في العادة يتم استخدام نظائر "السيزيوم CS – 137" عبر وضعها على محيط قنبلة من مواد متفجرة تقليدية لتوليد الطاقة الكامنة الموجودة في المواد المتفجرة ويمكن أن تكون طاقة كيميائية على شكل النيتروغليسرين أو ملح البارود أو نترات الأمونيوم أو الـ"TNT"، وضغط في ضاغط الغاز مثل أسطوانة الأوكسجين أو الإيرسول، كما قد تستخدم في "القنبلة القذرة" مواد السيانور واليورانيوم 238، وبالإضافة إلى قوة انفجارها تخلف هذه القنبلة منطقة من الإشعاعات الكثيفة من شأنها تلويث حي بأكمله أو مدينة ومن الممكن صنعها أيضاً باستخدام مواد ذات درجة عالية من الإشعاع، مثل أعمدة عوادم وقود المفاعلات النووية او مولدات كهرباء حرارية ذات إشعاع ذري عال خصوصاً المحطات اليتيمة المهملة وهي مواد يمكن توفيرها من مفاعلات كمفاعل تشيرنوبل مع الإشارة الى ان ما حدث في مفاعل تشيرنوبل قريب في نتائجه لنتائج تفجير محتمل للقنبلة القذرة مع الأخذ بعين الإعتبار حجم المادة المتفجرة وكمية المواد المشعة سواء كانت من نظائر السيزيوم أو السيانور أو البلوتونيوم أو حتى اليورانيوم 238.
وتمتلك أوكرانيا القاعدتين العلمية والإنتاجية لتصنيع "القنبلة القذرة"، فقد بقيت لديها بعد انهيار الإتحاد السوفياتي كامل المخططات والبحوث العلمية المرتبطة بالأسلحة النووية، مضافاً لها احتمالات تقديم مساعدة علمية وتقنية وعينية من اميركا ودول الغرب للتعجيل في عملية التصنيع، وانطلاقاً من سير العمليات، وعلى الرغم من انتقال الجيش الروسي للدفاع ولو مؤقتاً، فإن إنجازات كبيرة تحققت على حساب أوكرانيا، ولأن القادة الأميركيين والغربيين يدركون جيداً ان روسيا ستحقق كامل أهدافها، على الرغم من تصاعد عمليات الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، بات التفتيش عن وسائل غير تقليدية لوضع روسيا في الزاوية من خلال تفجير "قنبلة قذرة" واتهام الجيش الروسي بعملية التفجير.
وبحسب محللين، فأن أي ضربة من "قنبلة قذرة" لن تكون مدمرة، إلا ان توصيف وتعريف "القنبلة القذرة" يندرج ضمن الأسلحة الإرهابية" وليس التقليدية وهو مبرر كافٍ لإتهام روسيا لتحقيق عوامل الهزيمة عبر رفع مستوى الروسوفوبيا (رهاب روسيا) وإحراجها حتى مع حلفائها من خلال طرح عضوية روسيا في مجلس الأمن والتصويت عليها لنزع حق النقض (الفيتو) منها وهو تطور سيكون بمثابة طلاق نهائي بين روسيا والغرب، وسيؤدي الى رفع مستوى المواجهة الى مستوى خطير وغير مسبوق سيفتح المجال أمام مواجهة مباشرة بدأت اميركا بوضع أسسها عبر تموضع الفرقة الأميركية المحمولة جوا في رومانيا، إضافة الى تصريح قائد الفرقة باحتمال صدور أوامر له بالدخول الى الأراضي الأوكرانية، ورفع مستوى التهديد الذي صدر على لسان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بـ "القضاء" على الجيش الروسي في حال استخدم بوتين أسلحة نووية ضد أوكرانيا.
وقال بوريل: "بوتين يقول إنه لا يخادع.. الناس الذين يدعمون أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والولايات المتحدة وحلف الناتو، هم بدورهم لا يخادعون". وتابع بوريل: "أي هجوم نووي ضد أوكرانيا سيولد رداً، ليس رداً نووياً بل رد عسكري قوي من شأنه أن يقضي على الجيش الروسي".
بدوره، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" روسيا من "عواقب وخيمة" في حال شنت هجوماً نووياً على جارتها الموالية للغرب، وقال: "لن نتحدث عن الطريقة التي سنرد بها بالضبط، لكن هذا بالطبع سيغير طبيعة النزاع بشكل جذري"، وأضاف: "أي استخدام لأسلحة نووية أصغر سيكون أمراً خطيراً جدا"، لكنه أوضح بأن "الظروف التي قد يضطر فيها الناتو لاستخدام أسلحة نووية، بعيدة جدا".
وأمام هذه التطورات الخطيرة دخلت المواجهة مرحلة مختلفة تحمل في طياتها سعاراً غربياً غير مسبوق لا يمكن المرور عليه أو تجاهله، وسيدفع الأمور نحو تحولات كبيرة غير محمودة، وسيكون لها نتائج تتمثل بتسريع التموضعات والتحالفات عبر رسائل روسية لا تزال في صندوق القيادة الروسية، بينها ما قاله الرئيس فلاديميير بوتين منذ فترة بأن "روسيا لم تستعمل بعد إلا القليل القليل من قوتها"، فهل تتحامق القيادة الأوكرانية وتقدم على خطوة ستكون أوكرانيا أول من يدفع ثمنها، ولا احد يمكنه التنبؤ بمسار المرحلة القادمة بشكل دقيق، فمن الواضح ان المواجهة بين روسيا وأميركا دخلت مرحلة اللارجعة بحسب الكثير من التوقعات والترجيحات.