مأساة الحصار.. من لينينجراد وعدن إلى غزة تاريخ يعيد نفسه في صمت الإنسانية
مروان هائل
مأساة مدينة لينينجراد استمرت 872 يومًا من حصار القوات الألمانية النازية لها، حينها ثلاثة ملايين نسمة...
إن تقييم اهمية المواقع الجغرافية للمدن ليس ثابتًا ، فالمدن تتغير وتتطور او تتعرض لغزوات وصراعات لتقف بعدها عجلة التطور فيها ، وهذا يؤثر على سمعتها وموقعها الجغرافي بشكل مباشر وعلى الوضع العام للبلد وخاصة الوضع الاقتصادي والامني .
حتى يومنا هذا لا يزال الموقع الجغرافي لكل مدينة ينعكس على مصير سكانها وتاريخها ، اما ان يرفع الموقع شأن المدينة وسكانها نحو قمة الاناقة والتطور مثل دبي والاسكندرية وجدة او يجرها نحو الهاوية مثل عدن .
أثرت الحروب بشكل سلبي عميق في مدينة عدن وعلى العديد من جوانب حياة السكان ، لكون القتال في المناطق الحضرية لعدن كان مدمرًا بطبيعته ، وادى إلى نسف البنية التحتية التي يعتمد عليها بقاء السكان وسلامتهم وراحتهم مثل المنتجعات السياحية والشواطئ وقنوات الصرف الصحي وأنظمة النقل ومصادر مياه الشرب والمستشفيات والمصانع ومحطات الكهرباء .
الله خلق الجبال الخلابة في اوروبا والمناظر الطبيعية المذهلة ، وخلق كذلك الامتداد الرائع لمدينة عدن بين البحر الاحمر و بحر العرب وجعلها نقطة التقاء لسفن العالم والتجارة وفي نفس الوقت مدينة مغناطيسية ذات جاذبية عالية للطامعين والغزاة الذين اجتاحوا عدن طوال تاريخها سوى بالقوة العسكرية او الناعمة ، واذا كان هذا الامر يبدو من الصعب فهمه ، يكفي فقط ان تنظر إلى موقعها على الخارطة وتقرأ تاريخها .
مدينة عدن ومنذ استقلالها عن بريطانيا لاتزال في علاقة صعبة للغاية مع الزمن والموقع ومع بعض العقليات ،وهناك أدلة مقنعة على ترابط ديكتاتورية الجغرافيا وبعض البشر ، الذين احيوا فيها ثلاث قضايا رئيسية صعبة الفهم أولها ، اهمال الموقع الجغرافي الاستراتيجي و المميز الامر الذي فتح شهية المطامع لدى القريب والبعيد وأثر سلباً على سمعة وتطور المدينة والاستثمار فيها وكذلك على امنها القومي ، ثانياً انتشار أنواع معينة من الفساد الاسود في المدينة يحتاج لجهود جباره لاستئصاله ، ثالثاً قصور الفهم لدى البعض من استحالة أي تنمية في المدينة دون أي دور فعال لا بنائها في ذلك وفي ادارة شؤونها و قراراتها المصيرية .
متى ستظهر نخبة من العقلاء في هذه المدينة قادرة على اخذ زمام المبادرة لعلاج المدينة من متلازمة الدمار والاجتياحات وتوجيه بوصلتها نحو التنمية وتخليصها من الآفات التي تعيش و تستفيد من الفوضى وعدم الاستقرار ، والاهم هو تخليص المدينة من عقدة ديكتاتورية الجغرافيا وبعض البشر .