هاني سالم مسهور
هدنة اليمن.. بايدن الرابح الأكبر
الهدنة في اليمن تخرج إدارة بايدن من الحرج أمام حلفائها العاتبين وترضي طهران التي أوعزت لذراعها الحوثي إبداء الموافقة على الصفقة فهي تعطي للحوثيين موقعا في مسار التسوية السياسية اليمنية.
حققت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مكسبا سياسيا قد يكون ثمينا جدا في حال استثمر بالطريقة المثلى، فالهدنة التي تحققت في اليمن كانت الهدف السياسي الوحيد الذي سجلته هذه الإدارة منذ وصلت إلى البيت الأبيض، هدنة الشهرين التي وافقت عليها الأطراف اليمنية المتنازعة ليست بالفكرة الجديدة، بل على مدار عامين كانت متداولة ولطالما حاولت الأمم المتحدة إنجازها غير أن جهودها دائما ما كانت تبوء بالفشل.
المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ عاد لطرح الهدنة ضمن مسارات متعددة بحيث أن لا تتقاطع تلك المسارات مع بعضها على أمل نجاح أحد منها، ويبدو أن هذا ما حدث. فالولايات المتحدة التي تخوض مع الإيرانيين جولات تفاوض معقدة في فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي يبدو أنها حصلت على صفقة ضمن تنازلات عديدة تقدمها واشنطن للمفاوض الإيراني. فميليشيات الحوثي التي أحرجت إدارة بايدن بعد سلسلة هجمات إرهابية على السعودية والإمارات، وبعد أن وصفت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2426 بأنها جماعة إرهابية، وما شكلته الرياض وأبوظبي من ضغوط دفعت بملف اليمن ليتحول إلى أولوية من أولويات بايدن.
كانت واشنطن قد رفعت اسم الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية بحسب التصنيف الأميركي وأتبعتها السعودية بتقديم مبادرة لوقف إطلاق النار في اليمن من جانب واحد رفضها الحوثيون وواصلوا تصعيدهم، بينما لم تنجح جهود المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ في تحريك الموقف الحوثي، كما لم ينجح روبرت مالي في إقناع إيران بتغيير موقفها من اليمن، غير أن ما تشكل خلال الأسابيع الأخيرة حفّز الإيرانيين على ما يبدو لمنح بايدن “ربع الجائزة” في اليمن.
الهدنة هي فرصة، وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة الجزئي هو بحد ذاتها فرصة ثانية، فالهدنة هي فرصة يمكن أن تمرر فيها واشنطن الاتفاق النووي مع إيران، وبقية تفاصيل الهدنة هي أوراق للاعبين اليمنيين لينشغلوا بها حتى تمرر الصفقة الكبرى. الأميركيون طلبوا من السعودية والإمارات زيادة إنتاجهما النفطي لرفع أسعار الطاقة على إثر الأزمة الروسية – الأوكرانية، غير أن البلدين رفضا ذلك لعدم التعاطي الأميركي مع هجمات الحوثي.
ثمة حقيقة أن العلاقات بين واشنطن والعواصم الرئيسية في الخليج العربي تمر بأوقات صعبة، ومع ذلك تم تمرير الهدنة في اليمن لتخرج إدارة بايدن من الحرج أمام حلفائها العاتبين، وترضي طهران التي بدورها أوعزت لذراعها الحوثي إبداء الموافقة على الصفقة الصغيرة، فهي تعطي للحوثيين موقعا في مسار التسوية السياسية اليمنية، وقد تعزز من حظوظه في ظل ضعف الشرعية واهترائها نتيجة استشراء الفساد في مؤسساتها.
المعادلات التي يمكن الوصول إليها اليوم معقدة بحكم تعقيدات الأزمة اليمنية والأزمات الدولية وتداخلاتها. وشكل التداخل تقاطعات حاولت قوى عديدة الاستفادة منها في صراع يمني وبأبعاد إقليمية أتاحت استدامة الصراعات التي شكل فيها الانقلاب الحوثي مرحلة من المراحل. إنه صراع لا يمكن تحديد بدايته، نجمت عنه تراكمات شكلت تعقيداته.
صفقة الكل رابح يمكن أن تكون عنوانا لهدنة اليمن، لكنها ستظل صفقة هشة، فالرابحون أرباحهم مؤقتة، فلا السعودية والإمارات سترفعان من معدلات ضخ النفط في الأسواق، ولا إيران ستقلص من أنشطة أذرعها في المنطقة العربية، ولا حتى البيت الأبيض سيضمن تحقيق مكسب سياسي يساعده في الانتخابات النصفية المقبلة. هذه النوعية من الصفقات السياسية المرحلية تبقى ممهدة لصفقات أكبر كما أنها تظل اختبارا سياسيا لمراكز القوى المتنافسة.
الرئيس بايدن حصل على مكسب سيستثمره بحده الأقصى في الداخل الأميركي، لكن هذا المكسب إن لم يؤثر على أسعار الطاقة التي يلامسها المواطن الأميركي فستظل مكسبا ناقصا، وسيظل كذلك، فليس من المتوقع أن تعمل الرياض وأبوظبي على تغيير موقفهما في صفقة لا تحقق مردودا لهما، مع بقاء العتب على موقف الإدارة الأميركية، وهو ما قد يتصاعد مع إتمام الصفقة الأكبر مع إيران.
الهدنة اليمنية واعدة صحيح، ولكن دون أن يقدم لها الطرف الأممي إطارا سياسيا لتحويلها إلى عملية سلام سياسية، ستظل مكسبا أميركيا إعلاميا تتقاسمه مع النظام الإيراني. دون ذلك لا شيء يمكن البناء عليه، فالاختراقات للهدنة ستشغل اليمنيين، بينما سينشغل الرئيس بايدن بتسويق الهدنة على أنها إنجاز لم يحدث له مثيل في عهد الرؤساء السابقين، خصوصا أوباما وترامب، الذين لم يستطيعوا تحقيق هدنة واعدة كهذه يكون رابحها الكبير هو الرئيس الأميركي.