عويس القلنسي

أزمة الدولة في اليمن: غياب المشروع وتآكل المعايير

وكالة أنباء حضرموت

لم تعد أزمة اليمن اليوم محصورة في صراع القوى أو تنازع الجغرافيا، بقدر ما غدت أزمة غياب مشروع دولة حقيقي يقوم على النظام والقانون والمؤسسات. فالمشهد السياسي، في الشمال والجنوب على حدّ سواء، يكشف عن عجز بنيوي لدى معظم المجالس والجماعات السياسية القائمة، بما فيها السلطة المعترف بها دوليًا، عن الارتقاء إلى مستوى الدولة بمعناها الحديث.


لقد أثبتت هذه الكيانات، خلال سنوات الصراع، قصورها عن بناء مؤسسات فاعلة، أو ترسيخ ثقافة العمل المؤسسي، أو احترام الدستور والأنظمة والقوانين. كما سجل أداؤها تراجعًا واضحًا في الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، وتضييقًا ملحوظًا على حرية الإعلام، وخللًا مستمرًا في مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، إلى جانب غياب الرقابة والمساءلة.


إن استمرار هذه العقليات في إدارة الشأن العام لا يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الفشل، وتعميق الانقسام، وإطالة أمد الفوضى. وهو ما يؤكد أن أزمة اليمن ليست أزمة أشخاص أو مناطق، بل أزمة مشروع دولة غائب، وثقافة سياسية لا تزال تنظر إلى السلطة بوصفها غنيمة، لا مسؤولية وطنية، وتتعامل مع الدولة كأداة سيطرة، لا كعقد اجتماعي جامع بين الحاكم والمحكوم.


وفي كثير من التجارب اليمنية المعاصرة، تحولت السلطة من وسيلة لخدمة المجتمع إلى مجال للمناورة والصراع، ومن إطار لتنظيم الحياة العامة إلى أداة للإقصاء وتكريس النفوذ. ونتيجة لذلك، تراجعت فكرة الدولة الجامعة، وحلّت محلها كيانات هشة تفتقر إلى الرؤية الشاملة والقدرة المؤسسية على بناء نظام مستدام.


ولا يمكن لليمن أن يخرج من دوامة أزماته المتلاحقة ما لم يُعاد الاعتبار لفكرة الدولة المدنية القائمة على سيادة القانون، والمواطنة المتساوية، واحترام الحقوق والحريات، وتداول السلطة عبر آليات ديمقراطية شفافة. فالدولة لا تُبنى بالشعارات، ولا تُدار بالولاءات، بل تُؤسَّس بالمؤسسات، وتُحمى بالقانون، وتُصان بثقافة سياسية تؤمن بالشراكة والمساءلة، لا بالغلبة والاستحواذ.


إن الحاجة اليوم ليست إلى إعادة ترتيب الوجوه أو تدوير القوى ذاتها، بل إلى مراجعة شاملة للفكر والممارسة، وإلى إرادة وطنية صادقة تضع مصلحة اليمنيين فوق الحسابات الضيقة، وتفتح أفقًا جديدًا لدولة عادلة، مستقرة، وقادرة على استعادة ثقة مواطنيها، وبناء مستقبل يليق بتضحياتهم وآمالهم.

مقالات الكاتب