عودة الاسم... وعودة الروح: مدرسة الشهيد ناصر فارع تستعيد هويتها في كرش
مصلح عبده سالم
في بلدة كرش، حيث تتعانق الجبال بالذاكرة، وتتنفس الأرض عبق الشهداء، عادت اليوم مدرسة الشهيد ناصر فارع...
في بلدة كرش، حيث تتعانق الجبال بالذاكرة، وتتنفس الأرض عبق الشهداء، عادت اليوم مدرسة الشهيد ناصر فارع إلى اسمها الحقيقي، بعد ثلاثة عقود من التزوير القسري الذي حاول طمس هويتها وتحويلها إلى مجرد رقم في سجل "الوحدة" التي لم تحمل من الوحدة سوى الاسم.
هذه المدرسة لم تكن يوماً مجرد جدران من إسمنت وحديد، بل كانت رمزاً لجيل تربّى على القيم، وتخرج من بين فصولها رجال حملوا السلاح دفاعاً عن أرضهم وهويتهم.
قبل العام 1994م، كانت تُعرف باسم مدرسة الشهيد ناصر فارع، تخليداً لروح أحد أبناء كرش الذين قدموا حياتهم في سبيل الوطن الجنوبي، لتبقى ذكراه منارة للأجيال.
لكن بعد الاجتياح العسكري للجنوب عام 1994م، لم يكن التغيير مقتصراً على السياسة وحدها، بل امتد ليطال كل ما يرمز إلى الجنوب: الأسماء، الرموز، التاريخ، وحتى ذاكرة الطفولة.
تم تغيير اسم المدرسة إلى "مدرسة الوحدة"، في محاولة لفرض هوية غريبة عن المكان، ومسح إرث الشهداء الذين رووا تراب كرش بدمائهم.
كانت تلك الخطوة جزءاً من سياسة ممنهجة لطمس كل ما هو جنوبي، لعلّها تمحو من ذاكرة الأجيال معنى التضحية والانتماء.
لكن التاريخ لا يُمحى بالقرارات، ولا تُنسى الأسماء التي نُقشت بالدم.
واليوم، بعد سنوات من الصمود والتضحيات، وبعد أن استعاد الجنوب وعيه وذاكرته، يعود الاسم القديم — مدرسة الشهيد ناصر فارع — إلى لافتتها الأصلية.
ليست مجرد لوحة تُرفع، بل انتصار رمزي كبير يعيد الاعتبار للشهداء، ويؤكد أن الجنوب لا ينسى أبناءه مهما حاولت القوى الطامسة للهوية أن تفرض واقعاً مزيفاً.
إن إعادة الاسم ليس حدثاً محلياً فحسب، بل رسالة إلى كل الجنوب بأن الزمن بدأ يدور في الاتجاه الصحيح، وأن كرش — التي كانت يوماً ساحة مواجهة مع الغزاة — ما زالت وفية لتاريخها ورجالها.
الفرحة في عيون المعلمين والطلاب اليوم لم تكن فقط لعودة اسم، بل لعودة كرامة، لعودة ذاكرة.
كم هو مؤلم أن ترى مدرسة تُجرد من اسم شهيد لتُلبس قناعاً سياسياً لا يشبهها!
وكم هو جميل أن ترى أبناء الشهيد ناصر فارع وأحفاده يقفون اليوم أمام اللوحة الجديدة القديمة، ودموع الفخر في أعينهم تقول:
"عاد اسم أبي إلى مكانه، وعادت الروح إلى المدرسة التي تحمل اسمه."
إن ما جرى في كرش اليوم هو صفحة جديدة في الوعي الجنوبي، ودليل على أن الجيل الجديد لا يقبل بالمسخ ولا بالنسيان.
إنه انتصار للهوية، انتصار للتاريخ، انتصار للحقيقة التي حاولوا خنقها طيلة ثلاثين عاماً.
وستبقى مدرسة الشهيد ناصر فارع شاهدة على أن الجنوب لا يُهزم، وأن الأسماء الأصيلة مهما طُمست، تعود يوماً لتضيء الطريق من جديد