مروان السياري

اغتيال الشيخ صالح حنتوس.. حين يتحوّل العلم إلى تهديد

وكالة أنباء حضرموت

يُعيد اغتيال الشيخ صالح حنتوس إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول طبيعة الاستهداف الذي يطال العلماء والدعاة في اليمن، لاسيما أولئك الذين التزموا بخطاب ديني منفتح ومعتدل، ورفضوا الانخراط في أطر التبعية العقائدية أو الحزبية التي تحاول جماعة الحوثي فرضها في مناطق سيطرتها.

ما يميز هذه الجريمة ليس فقط أن الضحية عالم دين، بل أنه كان أحد الأصوات البارزة في تدريس القرآن ونشر المعرفة الدينية، ضمن بيئة أصبحت فيها الكلمة الحرة والنصيحة المخلصة هدفًا للترهيب أو التصفية. فالرجل، كما تؤكد سيرته، لم يكن سياسيًا بالمعنى الحزبي، بل كان صاحب رسالة تعليمية وإرشادية، ارتكزت على تراث العلماء وأخلاق النبوة، وهو ما جعله في مرمى الجماعة التي تنظر إلى كل ما هو خارج مشروعها العقائدي باعتباره تهديدًا يجب تصفيته.

 

الآية الكريمة التي افتُتح بها بيان النعي – "أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله" – تختصر جوهر المفارقة اليمنية الراهنة؛ إذ يُستهدف من يرفض التماهي مع مشروع العنف أو التأويل الطائفي للدين، ويُعامل كخصم حتى وإن لم يحمل سلاحًا أو ينتمي إلى فصيل.

ولعل أخطر ما تطرحه حادثة اغتيال الشيخ حنتوس، هو السؤال عن مصير العلماء والدعاة المستقلين في مناطق النفوذ الحوثي، وعن طبيعة البيئة الفكرية التي تحاول الجماعة فرضها، بحيث يُصنَّف أي اختلاف في الرأي أو الاجتهاد أو الفهم للنصوص ضمن "العداء" لمشروعها السياسي والديني.

 

لا يمكن فهم عملية الاغتيال هذه بمعزل عن سلسلة من الحوادث السابقة التي طالت خطباء وأئمة ودعاة في مناطق متعددة من اليمن، والتي تُظهر نمطًا من الاستهداف الممنهج للخطاب السني التقليدي، ولرموز التعليم الديني غير المؤدلج، وذلك ضمن مساعٍ لإعادة تشكيل الهوية الدينية في المناطق الخاضعة للجماعة.

كما أن التوقيت السياسي – بالتزامن مع تصاعد التوترات الميدانية – يعكس رسالة مزدوجة: من جهة، إسكات كل صوت ديني قد يُضعف من سطوة الجماعة، ومن جهة أخرى، إرسال إشارة تخويف إلى المجتمع المحلي الرافض لممارساتها.

 

رغم محاولة فرض مناهج مؤدلجة، وتقييد العمل الدعوي، وتكميم الأفواه في المساجد، إلا أن التجربة اليمنية على مدى عقود أثبتت أن القيم الدينية السنية المعتدلة، وميراث العلم الشرعي، عميقان في بنية المجتمع، يصعب اجتثاثهما بتصفية الرموز أو التحكم بالمنابر.

فالشيخ صالح حنتوس ليس مجرد شخص، بل يمثل نموذجًا لتيار واسع من الدعاة والقرّاء والمربين، الذين استطاعوا بناء جسور مع المجتمع من خلال الكلمة الطيبة والعلم الرصين، لا عبر التحريض أو التجييش.

 

ربما نجحت الجماعة في إسكات صوت الشيخ، لكن أفكاره ومواقفه ستظل حاضرة، سواء في ذاكرة طلابه، أو في وجدان بيئته المحلية. فالمعركة بين خطاب العلم وخطاب العنف لم تُحسم بعد، لكنّ التاريخ يُظهر بوضوح أن من يحاولون قتل الكلمة يخسرون في النهاية، لأن الكلمة تنتقل من فم إلى فم، ومن جيل إلى جيل، أما السلاح فلا يدوم لصاحبه.

مقالات الكاتب