رشاد عبدالله

مأرب وضجيج أصبع محروس

وكالة أنباء حضرموت

من الأفلام العبقرية التي أنتجتها السينما المصرية، فيلم: اصباع الواد محروس ابتاع الوزير، يلهمك هذا الفيلم نباهة للتمييز بين نوعين من المجد، وسبيلين في النضال الوطني: 
الأول، يبدأ بالأنا وينتهي عندها، يرى في الوطن خلفية لصورة شخصية، يضع النضال الوطني بكل ما فيه من تضحيات ودماء ومقابر ونجاحات واخفاقات وحاضر ومستقبل كتفصيل صغير في سيرته الذاتية، لا لشيء، سوى لأنه تعرض لحادث عرضي في طريق غير آمن، هو من اختار أن يدخله.

الأول يحول الرصاص الطائش الذي لم يعرف من هو، إلى محاولة اغتيال الوطن، وما من سبيل لاستئناف عملية التحرير سوى بمنحه منصب العضو التاسع في مجلس القيادة الرئاسي، ربما، وما دون ذلك، يعني عدم جدية الجميع في تحرير البلاد.

والثاني يبتدئ من الوطن، وينتهي به، يذيب صورته واهتماماته واستحقاقاته وطموحاته في الشأن العام، وفي سبيل أن تبقى القضية الوطنية واضحة، نقية، غير مشوهة.

الأول يستعير الوطن ليتصنع مجدا زائفا وحضورا مركبا من ادعاء مؤامرة ومظلومية في حادث عرضي.

والثاني منشغلا بالحضور الكامل في قلب مشهد التضحية والفداء كبطل متحقق، بعيدا عن الإعلام ونزعة اصباع الواد محروس ابتاع الوزير.

الأول حكاية ملفقة تختزل الوطنية فيها وتطالب الجميع بالطواف حولها، والثاني بطولة سمعنا به بعد أن منحنا أنفاسه في الجبهة، دفاعا عنا ومن أجلنا جميعا.

بالأمس دخلت مواقع التواصل الاجتماعي فصادفت منشورين متجاورين كمفارقة: 
الأول، لشخص يعتبر غياب دهشتنا واهتمامنا بالحادث الذي تعرض له قبل أشهر في مأرب، خيانة وطنية. 
والثاني، نعي في استشهاد البطل عبدالله الحنق في احدى جبهات مأرب.  

بدا الأمر كلحظة كاشفة للشرخ العميق بين الفعل الحقيقي وصورته المصطنعة، للعثرة التي أعاقت مسار التحرير.

آلية "التعويض المفرط" التي يلجأ إليها من لا أثر حقيقي له لتحقيق اقتصاد الرمزية المصطنعة والحضور والمكانة الغير مستحقة، قد لا تعنينا، لكن ليس عندما تتفشى كظاهرة سياسية تحول النضال إلى تزييف بدلا من أن يبقى فعلا يتجاوز الحاجة إلى إثبات، والتزام عقلاني متحرر من غرائز المجد الشخصي الزائف. 
الخطر هنا لا يتوقف على من يمارس هذا التمثيل، بل على سلوك المجتمع في التقييم المبني على الضجيج لا على الفعل.

هذا خلل ينبغي التصدي له بثقافة وطنية تحتفي بالبطولة الحقيقية وتتجاوز الانشغال باصباع الواد محروس، ثقافة تفرق بين النضال الحقيقي والادعاء الذي يقدم نفسه كمصدر لشرعية نضال الآخرين.

إحياء حساسية الناس تجاه هذه التمثيل الانتهازي أمر مهم لسلامة النظام الرمزي الذي تبنى عليه شرعية الفعل السياسي، فالمجتمعات التي تسمح بتزوير الرمزيات، تقوض إمكانياتها في اجتراح مسارات تحرر حقيقية.