صالح أبوعوذل
لقاء الهضبة وسوء تقدير عمرو بن حبريش
تابعت باهتمام الحشد القبلي الذي دعا إليه الشيخ عمرو بن حبريش في هضبة حضرموت، والذي رافقه زخم إعلامي كبير، لكن مخرجات اللقاء لم ترقَ إلى تطلعات أنصار بن حبريش، نجل شقيق الزعيم القبلي الراحل الذي قُتل قبل 12 عامًا برصاص الجيش اليمني.
يبدو أن بن حبريش أخطأ في تقدير الموقف، إذ اعتقد أن تقاطعًا محتملاً بين مصالح السعودية وسلطنة عمان قد يدعم تحركاته. لكنه لم يحسب حساب مخاوف الرياض من دور مسقط، مما جعل دعوته الأخيرة لزيارة المملكة محاولة لكسب ودها.
فقد ظن –وبعض الظن انتكاسة مستعجلة- أن الدعم الإعلامي من بعض النخب السعودية يعكس تأييدًا كاملاً له، مستندًا إلى بعض التدوينات التي رأى فيها تقاربًا بين الرياض ومسقط لمناهضة مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي.
لكن لسلطنة عمان مشروعها الخاص، إذ تسعى لدعم بن حبريش كشخصية مشابهة للشيخ علي سالم الحريزي في المهرة، وهو توجه يتعارض مع استراتيجية السعودية التي تركز على تعزيز نفوذها في حضرموت عبر فكرة "الانفصال الناعم". هذه الفكرة، التي تهدف إلى فصل المحافظة عن محيطها الجنوبي بطريقة غير مباشرة، تواجه تحديات سياسية واجتماعية كبيرة، تدركها النخب الحضرمية جيدًا، ناهيك عن البعد الإقليمي واليمني الذي قد يشكل التحدي الأبرز امام تحقيق ذلك.
تعتبر الرياض استمرار وجود القوات اليمنية في وادي وصحراء حضرموت ركيزة لأمنها القومي، -أو هكذا عبرت عنه نخبها السياسية والإعلامية قبل عامين- لكن في المقابل، ترى القوى الجنوبية أن هذه القوات هي امتداد لاحتلال عسكري متجددة، وتتهمها بارتكاب انتهاكات فظيعة بحق المدنيين ودعم جماعات متطرفة، وإزالة هذه القوات قد تكون خطوة إيجابية لتطلعات القوى الحضرمية والجنوبية، لكنها تتعارض مع أولويات السعودية في تحقيق النفوذ.
تسعى الرياض لتحقيق مكاسبها في حضرموت عبر دعم المجلس الوطني الحضرمي، - بن حبريش ليس جزءاً منه، ولديه خلافات واضحة مع قيادته، وبالتالي، تبدو تحركاته كمناورة سياسية مؤقتة تستفيد منها الرياض لتعزيز فكرة وجود قوى متعددة تدعو إلى انفصال حضرموت، ورغم تكرار بن حبريش شكره للسعودية، إلا أن ذلك لم يكفِ لإقناع السعوديين للقبول به كحليف مستقبلي، مما يشير إلى أن زيارته للمملكة كان هدفها الاستفادة منه مرحلياً، بعد تجميد عمل المجلس الوطني.
حاول بن حبريش استمالة القبائل الحضرمية بوعود كبيرة وطموحة، لكن أبناء حضرموت يدركون صعوبة تحقيقها، خطأه الأبرز لم يكن تجاهله لقواعد الحراك الجنوبي، التي لها تحفظات على أداء المجلس الانتقالي، بل تحالفه مع قوى عسكرية وقبلية يمنية تهيمن على الهضبة والوادي منذ عقود، وتمتلك مصالح اقتصادية راسخة.
حضرموت، بهويتها وإرثها الاجتماعي، تمتد تاريخيًا إلى عدن، مرورًا بشبوة وأبين. كان خطأ بن حبريش الكبير في معاداته لعدن، وتجاهله للقوات العسكرية اليمنية التي تشكل جوهر التحدي في حضرموت، دون أن يتناولها في خطابه.
في المقابل، تعامل المجلس الانتقالي الجنوبي مع هذه التحركات بحنكة، متجنبًا خطاب التشكيك والتصعيد. تصرف المجلس بمرونة، تاركًا الأمور تأخذ مجراها، وكأنه يتحدى الآخرين لإثبات قدراتهم. الآن، بات المجلس في موقف قوة، مع توقعات بأن يعزز حضوره عبر فعالية جماهيرية مرتقبة في المكلا، كرد فعل على أحداث الهضبة.
يمتلك المجلس القدرة على الحشد في الوادي، رغم سيطرة القوات اليمنية، وقد أثبت ذلك سابقًا، لكن الرد المرتقب في المكلا سيركز على دعم السلطة المحلية وقوات النخبة الحضرمية، إلى جانب القوى السياسية التي تسعى لتكرار نجاحات الساحل في الوادي. هذا المطلب يمثل خطوة نحو تحقيق تطلعات أبناء حضرموت، التي لا تقبل بحلول جزئية.