صالح شيخ سالم

المعلم.. الشعلة التي أطفأها الجحود ووأدها الظلم

وكالة أنباء حضرموت

في كل أمة تتطلع إلى المستقبل، كان المعلم صانع الأجيال، المهندس الأول لعقول الشباب، والنبراس الذي يهدي الأمم في مسيرتها نحو التقدم. المعلم هو الذي يقف بصلابة أمام الجهل، يزرع العلم في النفوس، ويُنشئ أجيالًا تعرف قيمة الوطن، وتناضل من أجله.

لكننا اليوم نشهد مفارقة مؤلمة، حيث أصبح المعلم في بلدي ضحية الجحود والتجاهل. أصبح رمزًا للقهر لا للتقدير، أسيرًا للمعاناة لا للكرامة.

المعلم المتقاعد.. سنوات العطاء بلا مقابل
تأمل حال المعلم الذي أفنى عمره في التعليم، ووهب شبابه وصحته لصياغة أجيال المستقبل. سنوات طويلة قضاها على منصات التدريس، يعانق حلم أن يرى ثمار تعبه في عقول ونجاحات أبنائه الطلاب. ثم يُكافأ، بعد 35 أو 40 عامًا من العطاء، بحرمانه من راتبه التقاعدي، بحجة "الازدواجية" أو أعذار لا أساس لها من العدل! أي ازدواجية تُحرم رجلاً بذل عمره كاملاً لخدمة الوطن؟

المعلم المتقاعد اليوم يقف عاجزًا أمام حياةٍ لم ترحمه. راتبه الزهيد الذي كان بالكاد يكفيه قُطع عنه بلا رحمة، فلا يملك ما يسد رمق يومه، أو يوفر به حاجاته الأساسية. كيف لإنسان أن يعيش دون كيس رز أو جلن زيت، في ظل هذه الظروف القاسية؟

 لماذا هذا القهر المتعمد؟
أما من لا يزال على رأس عمله، فهو يكافح يومًا بيوم لتأمين أبسط مقومات العيش، بعد أن تحولت مهنته النبيلة إلى نضال دائم في وجه الفقر والإهمال.
من المسؤول عن هذا القهر؟ لماذا تتعمد الثلة الفاسدة تحطيم المعلمين، وهم عماد الأمة؟ لماذا تُصر على إذلالهم وسلب حقوقهم، في وقت تملأ فيه جيوبها من خيرات الوطن؟

هل يعقل أن تتحول رواتب المعلمين إلى عبء في حين تُهدر الأموال على مظاهر الترف والبذخ؟ هل يعقل أن يموت معلم كمداً، وهو الذي كان يومًا رمزًا للحياة والعلم؟

دموع المعلم وصرخة الضمير
لقد رحل الكثير من المعلمين وهم يحملون غصة في قلوبهم. ماتوا قهرًا لأنهم لم يحتملوا هذه المهانة. دموعهم ودماءهم ستظل وصمة عار في جبين كل من شارك في هذا الظلم، أو وقف متفرجًا صامتًا أمام معاناتهم.

رسالة إلى الفاسدين
إلى كل من تجرأ على قهر المعلم وسلبه حقوقه: اعلموا أن كرامة المعلم هي كرامة الأمة بأسرها. لا يمكن لأمة تهين معلميها أن تزدهر، ولا لشعب يسكت عن هذا الظلم أن ينهض. ستلاحقكم دعوات المعلمين المحرومين وآهاتهم، ولن يكون لكم مفرّ من حساب الضمير والتاريخ.

 نداء أخير
يا معلمي بلدي، يا من صبرتم على الفقر والجحود، واصلوا رسالتكم بعزةٍ وكرامة. أنتم أمل الوطن رغم الظلم، وبفضلكم سيعود النور إلى هذا الظلام. وكما قال أحد الحكماء: "عندما يُطفئ الظلم نور الأمل، ستظل شعلة المعلم متقدة في القلوب، تُنير الطريق للأجيال القادمة."
رسالة إلى التلاميذ وأولياء الأمور

إلى التلاميذ الذين يجلسون اليوم في مقاعد الدراسة، وإلى أولياء الأمور الذين يرسلون أبناءهم بحثًا عن العلم، تذكروا أن المعلم ليس مجرد شخص يؤدي واجبًا وظيفيًا، بل هو إنسان اختار مهنة عظيمة رغم ما يحيط بها من معاناة وظلم. إنه الذي يمنحكم علمه، ويفتح لكم أبواب المستقبل، ويهديكم إلى طريق النجاح، في وقت يعاني فيه هو من شظف العيش وقسوة الظروف.

يا تلاميذنا الأعزاء، لا تزيدوا معلمكم همًا فوق همه. احترموا وجوده، وقدروا جهده، واعلموا أن كلماته ليست مجرد دروس تُحفظ، بل هي بذور يزرعها في عقولكم لتكبروا بها يومًا.

أما أنتم أيها الآباء والأمهات، كونوا عونًا للمعلم، لا خصمًا له. لا تثقلوا كاهله بشكاوى مبالغ فيها أو بمطالب لا يقوى على تحقيقها. إن المعلم يكافح من أجل تربية أبنائكم علميًا وأخلاقيًا، فساعدوه في مهمته، أو على الأقل اكفوه شر الانتقادات الجارحة والمعاملة الجافة.

تذكروا دائمًا أن كرامة المعلم هي أساس كرامة الأجيال. إنكم حين تسيئون إلى المعلم، فإنكم تهدمون في نفوس أبنائكم قيمة الاحترام، وتحرمونهم من قدوتهم الأولى. ادعموا المعلم ولو بكلمة طيبة، فهي أجر عظيم وصدقة جارية تعين على استمرار رسالته.
رسالة إلى العلماء والإعلاميين والخطباء وأصحاب الكلمة

إلى العلماء، والإعلاميين، والخطباء، وكل من يحمل قلماً أو يتحدث إلى الناس، أنتم أصحاب التأثير وصناع الرأي في المجتمع، وكلماتكم قد تغير مسارات وتعيد صياغة المفاهيم. المعلم اليوم يئن تحت وطأة الظلم والإهمال، فلا تتركوه وحده في ميدان المعاناة، بل اجعلوا قضيته أولوية في خطبكم ومقالاتكم وأحاديثكم.

تحدثوا عن المعلم الذي أفنى عمره في تربية الأجيال، واذكروا معاناته لمن لا يدرك حجمها، وادعوا لإعادته إلى مكانته السامية في المجتمع. أنتم لسان حال الأمة، وقضية المعلم ليست مجرد شأن فردي، بل هي قضية وطن وأجيال. كيف ننهض كمجتمع إذا كان من يربي الأجيال ويصنع العقول يُهمل ويُهان؟

إلى الخطباء في المنابر، اجعلوا للمعلم نصيبًا من كلماتكم، وذكّروا الناس بفضله وأهمية احترامه. إلى الإعلاميين وأصحاب الأقلام، اجعلوا قضيته موضوعًا دائمًا في صفحاتكم وبرامجكم. إلى العلماء وأهل الفكر، اجعلوا دعم المعلم منطلقًا لتعزيز قيمة العلم والمعرفة في مجتمعاتنا.

أنصروا المعلم بالكلمة الصادقة، والحقيقة الموجعة، والصوت العالي. اجعلوا الجميع يدرك أن كرامة المعلم هي أساس كرامة الوطن، وأنه لا مستقبل لأمة تُهين معلميها.
رسالة إلى التجار وأرباب الأموال

إلى التجار وأرباب الأموال، أنتم عماد الاقتصاد وحملة الخير في المجتمعات، وقد رزقكم الله من فضله وجعل في أموالكم حقًا للسائل والمحروم. فاعلموا أن المعلم اليوم، وهو الذي علّمكم وعلم أبناءكم، بات من أشد المحرومين حاجةً إلى الدعم، بعد أن أُهملت حقوقه وضاقت به سبل العيش.

إنكم، بما منحكم الله من مال، قادرون على تخفيف معاناة المعلمين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة العلم والأجيال. بادروا بتخصيص جزءٍ من أموالكم لدعمهم، سواءً بتقديم العون المادي المباشر، أو بالمساهمة في إنشاء صناديق خيرية تحفظ كرامتهم وتسندهم في هذه الظروف الصعبة.

المعلم الذي يواجه اليوم قهر الفقر وشظف العيش، بحاجة إلى أن يشعر بأن مجتمعه لا ينسى فضله. لا تبخلوا على من كان يومًا سببًا في بناء علمكم وتجارة أبنائكم ونجاحكم.

إلى أصحاب الأموال، اجعلوا من مساعدتكم رسالة وفاء للمعلم الذي حفر أساس مستقبلكم بعلمه وإخلاصه. تذكروا أن الأمة التي يدعم أثرياؤها معلميها هي أمة تحفظ العلم، وتؤسس لنهضة راسخة.

أموالكم قادرة على أن تصنع فرقًا في حياة المعلم، فاجعلوا منها نورًا يضيء طريقه، كما أضاء هو الطريق للأجيال قبلكم.

مقالات الكاتب