د. سالم الحنشي
حنش سالم عبدالله نموذجا للمناضل الوطني المخلص
غادر دنيانا الفانية قبل أيام المناضل الأكتوبري حنش سالم عبدالله سلمان الحنشي، وتحديدا في يوم السبت الموافق 26 أكتوبر 2024م بعد حياة حافلة بالنضال والكفاح المسلح في معظم المنعطفات التي مر بها وطننا الحبيب(الجنوب العربي).
إذ يعد المناضل حنش سالم عبدالله سلمان من أبرز مناضلي الجنوب العربي منذ ستينيات القرن الماضي، حيث كان من السباقين المغتربين في دول الخليج الذين أتاح لهم الخروج عن الوطن أن يتشبعوا بالقومية، ومفاهيم الحرية والاستقلال، وسارعوا بالعودة في البداية إلى اليمن لدحر الإمامية هناك، فخاض معارك عديدة في جبال اليمن وسهوله، ورغم ما قدمه ومن معه من أبناء الجنوب تجاه الانقلاب في اليمن ضد الحكم الإمامي إلا أن ذلك لم يشفع لهم بالدعم حين انتقلوا إلى الثورة ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب العربي، الذي خاض فيه المعارك ضد الاحتلال البريطاني في معظم الجبال والسواحل، وكان بين حين وآخر يذهب وبعض زملاء النضال إلى تعز اليمنية لمحاولة الحصول على الدعم من أسلحة وذخائر لاستمرار النضال ضد الاحتلال البريطاني وتطويره إلا أنهم لم يجدوا غير المراوغة والوعود التي تجعلهم يمكثون في تعز حتى يخلصوا كلما معهم من مصروف فيضطرون بعدها إلى المغادرة إن لم يقوموا برهن ما معهم من مقتنيات ثمينة كالجنابي وبيعها، هكذا كان حال ثوار أبناء الجنوب العربي مع الانقلابيين في اليمن، ومع ذلك صمدوا واعتمدوا على أنفسهم وواصلوا المشوار وخاصوا صراعا طويلا، وفق حساباتهم وإن لم تعن شيئا في حساباتنا بصراعنا مع الاحتلال الحالي وأدواته وتشريعاتنا له بتمدده في احتلالنا أكثر مدة ممكنة لم يكن يحلم بها أبسط معتوه من أزلام هذا الاحتلال، لحساباتنا ووهمنا في محاولة إرضاء من لو سلمناه جلودنا لسلخها لما شفع لنا ذلك، ولن يجدي تكتيكا أو إذلالا وخضوعا لتوجهاتهم السادية مهما كان.
استمر نضالهم لمدة أربع سنوات وشهر أمام أعتى إمبراطورية في العالم حينها، فتم طردهم صاغرين ذليلين أمام فوهات بنادق أبناء الجنوب العربي حينها، ووجدوا أنفسهم أمام صحاري وشعب معدوم المقومات أو أدنى بنية تحتية لمؤسسات دولة في غير عدن، فشمروا عن ساعد الجد واستنهضوا الهمم وعملوا بجد واجتهاد يشكرون عليه، وسيظل تاريخا جل أن نشاهد مثله، فكان فقيدنا الأكتوبري أحد أولئك المناضلين الذين آثروا بناء مؤسسات دولة على صحتهم ووقتهم وعيشتهم وآهاليهم، فبدأوا بترتيب مؤسسات القضاء اي المحاكم فشغل قاضيا أو حاكما لمحكمة سرار في ريف محافظة أبين، فعملوا واجتهدوا بإخلاص حتى إذا ما بدأت تترتب مؤسسات دولة ويتسلل فيها أبناء اليمن ويحرفون مسارها يمننة وصراعا بين رفاق الدرب آثر أن يترك العمل ويعود راعيا لغنمه بين الشعاب والوهاد، فتجده متنقلا بين جبل شعب وظبة ومورق وبردان ومينة وحلحلة...
حتى إذا ما تصاعد التوتر وأصبح الوطن على شفى جرف هار، لم يستكن مناضلنا فامتشق سلاحه وذهب للدفاع عن الوطن بحسب رؤيته التي يراها ومقتنع بها، وكان في حليف النصر في البقاء على أرض الوطن، فعاد من جديد لتأسيس مؤسسات الدولة حينها ولكن هذه المرة في الجانب العسكري للدفاع عن الوطن في الثغور التي يرى أنها مكامن خطر على الوطن، فأسس القوات الشعبية في امدقيقة في سباح وعمل على البحث عن المخلصين من الرجال الصناديد من كل مناطق يافع، ورغم أن تحت يده كثير من الآليات والمعدات لكن ثقافته الوطنية ووعيه بأن هذه ممتلكات وطن جعلته لا يفكر في البسط أو السطو أو الأخذ منها شيء، حتى إذا ما استتبت الأوضاع ترك قيادة هذه المؤسسة وعاد من جديد إلى الكسب والعيش من عرق جبينه في رعي أغنامه وزراعة أرضه، وممارسة العمل في النحل، وحين تحققت الوحدة رغم أنه ممن سيتمكن في ترتيب وضعه الوظيفي فيها على أساس أنه على غير وفق مع رفاق الدولة سابقا إلا أنه نأى بنفسه عن أن يذهب إلى أولئك الذين خبرهم منذ الستينيات من ذات القرن..
وحينما انقلب اليمنيون على شعب الجنوب العربي في 1994م امتشق سلاحه وذهب مع تلك الجموع التي توجهت في ساحات الشرف والبطولة لمحاولة الدفاع عن الأرض والشعب، فخاض عدة معارك في عدد من المواقع كان آخرها في ردفان مع الوزير حينها فضل محسن، ذهب للدفاع عن الجنوب مع تلك القيادات التي فرطت بشعب الجنوب بدخولها في وحدة غير محسوبة النتائج ولا واضعين خط عودة، تلك القيادات التي كانت قد استلمت ديتها وأكلتها وهي ما زالت على قيد الحياة في صنعاء، كما استشعر حينها المناضل الشهيد محمد صالح طماح، الذي خبر تلك القيادات بأن تلك المبالغ التي يستلمونها شهريا تحت بند أثاث ما هي إلا ديتهم وثمن بلادهم، وهو ما كان بالفعل، ورغم أن المناضل حنش سالم لم يكن معهم كما سبق الإشارة إلا أنه شاركهم في محاولة الدفاع عما يمكن تلافيه، رغم عدم سماعهم لمشوراته التي تتمثل بأن يجلب أكبر كمية من السلاح إلى يافع أو على الأقل تشكيل لواء عسكري بكامل معداته وآلياته في يافع، لأن هذا سيكون محميا بجبال يافع قبل رجالها، وسيظل ثائرا ولن يستسلم أو سيكون السلاح بيد أبناء الجنوب وسيظلون في مقاومتهم لجحافل الاحتلال، إلا أن تلك القيادات التي اكلت ديتها في حياتها بنفسها لم تستوعب مثل هذه الطروحات وحاولت الدفاع عن الجنوب وفي آخر المشوار تركت كلما تمتلكه من معدات وآليات عسكرية ومؤسسات دولة ومعها شعب الجنوب يواجه مصيره المحتوم أمام غزاة العصر، وركب من تبقى من تلك القيادات الجنوبية البحر لينجو بجلودهم ورغم هذا الواقع الذي وجد شعب الجنوب نفسه يعيش فيه إلا أن هناك أشخاصا ومنهم مناضلنا الوطني لم يستسلم لهذا الواقع، وظل يقاومه بكلما أوتي من قوة وفكرة، فجاءني هذا المناضل ذات يوم في نهايات عام 1996م، وأخبرني بأنه يريد منا أن نقوم بعمل مناهض لأدوات الاحتلال اليمني حزبي المؤتمر والإصلاح، وهذا لن نقدر أن نقوم به حاليا إلا من خلال الانضواء في الاشتراكي لنمارس المعارضة باسمه وليس حبا وإحياء له، فهو قد أضاع الجمل بما حمل في وحدة 1990م، فشرح لي ووضح كثيرا مما ينبغي أن نقوم به، فاقتنعت، وبدأنا العمل سويا، وما زلت أتذكر أول اجتماع عقدناه في تلك الطين تحت ذلك العلب بحضور ممثل المديرية، وأتذكر أعضاء الاجتماع فردا فردا وكأنهم امامي الآن وما طرحه كل واحد منهم من آراء وأفكار.
وما اتفقنا عليه بأننا سنقوم بمناهضة توغل هذين الحزبين داخل المجتمع ومحاولتهما تزييف إرادة المجتمعات بتلك الانتخابات الهزيلة
وكانت النجاحات كبيرة على مستوى المركز الانتخابي الذي ننضوي تحته على الأقل.
وحين انطلق الحراك السلمي كان من السباقين في التخطيط والتنفيذ، فكان يحضر معظم الفعاليات، وعمل على محاولة تأسيس جمعية العسكريين القدامى في المديرية..
وكان لا يقام مجلس عزاء لأحد الشهداء الذين سقطوا في مسيرة الحراك السلمي إلا وسارع بالذهاب إلى ذلك المخيم والاعتكاف فيه، لاسيما تلك المخيمات في المدن التي تكون على نفار وشد وجذب مع قوات الاحتلال
وحين رابط المتظاهرون في ساحة العروض بخور مكسر كان من الأوائل وأكثرهم ثباتا الذين تجدهم في الساحة في كل وقت من ليل أو نهار
هذا هو المناضل الوطني حنش سالم عبدالله الذي خاض مراحل ثورية متعددة وكانت الفرصة أمامه ليبني نفسه وأسرته إلا أنه يتنزه عن كل شيء، يسهم بفاعلية قصوى ليعود بعد التثبيت إلى رعي غنمه وزراعة أرضه.
جاءني في 2006 إلى عدن وكنت حينها طالبا في الدراسات العليا وكنا نجلس كثيرا ويحدثني بمراحل نضاله، وكنت اعجب كثيرا بتسلسل وتراتبية شرحه لمحطات الكفاح والنضال الذي خاضوه، وأعجب أكثر حين اسمعه مرة أخرى في مجلس آخر يسرد تلك الذكريات فيعيدها حرفيا بما ذكرها أول مرة..
استغربت من وضعية بعض زملائه الذين عادوا من الخليج معا وكيف صار حالهم وحال أولادهم في عدن، إذ كان بين حين وآخر يقوم بزيارة من ما زال منهم على قيد الحياة، وكنت اسأله لماذا لم يكن حالك كحالهم؟ فكان يرد عليه بأن ذلك كله يعود إلى القلم، وكنت حينها اعلم أن هذه الإجابة ليست الحقيقية، وإنما الحقيقة هي نفسه الأبية نفسه الحرة التي لم تقبل أن تأخذ مما تعده ملك وطن، وجعل نفسه دائما نصيرا للفقراء والفلاحين والمظلومين في هذا الوطن..
هذا هو المناضل الوطني حنش سالم عبدالله كان نموذجا عمليا لمفهوم المناضل الوطني الذي لا يهتم كم سكسب؟ ولا ما يمتلك من بيوت أو سيارات أو ملبوسات ومأكولات
فلا تحدثني أيها القائد الذي تركب في أفخر السيارات وتمتلك أبهى البيوت وتأكل أجود المأكولات عن الوطنية وأبناء الوطن يتضورون جوعا..
المناضل الوطني ليس من يبني نفسه على حساب أبناء الوطن، فهذا النوع ممكن نسميه المترزق باسم الوطن والوطنية..
وفقيدنا المناضل حنش سالم عبدالله نموذج للمناضل الوطني المخلص، وكلما ذكر سابقا غيض من فيض من نضاله وتضحياته، فإن أردت أن تعرف اكثر واكثر ستجد ذلك لدى زملائه أو الجيل الذين الذي كان يلحقهم في بناء الدولة الجنوبية، ثم اذهب لتشاهد حاله الشخصي الذي عاش فيه وأهله، حتى تكون على بينة أكثر وأوضح لنموذج المناضل الوطني المخلص، وقارن حاله بحالك أو حال من يدعي الوطنية والإخلاص وستجد الفرق بينا.