شارد مثنى مصلح
المسيرة في الحياة وتأثيراتها المادية ومواقف البشر منها
تتغير نظرة الأشخاص لماهيا في الحياة ، بحسب المبادئ والقيم والأسس الفكرية ، التي ترسخت في عقولهم ، ونشأت معهم منذ الصغر ، وبحسب الثقافة الأسرية والمجتمعية السائدة ، وبحسب البيئة المحيطة ، ونظراً لتنامي النزعة المادية لدى جميع المجتمعات البشرية مؤخراً ، نتيجة سيطرة الثقافة المادية على مسيرة الحضارة الإنسانية ، فإن النزعة والثقافة المادية اصبحت هي المسيطرة على غالبية الأفراد ، في مختلف المجتمعات البشرية ، في ظل إنهيار وتراجع كبير للثقافة الروحية والأخلاقية ، ومن هذا المنطلق المادي والمصلحي ، أصبحت تدار تفاعلات الحياة اليومية ، ومن هذا المفهوم الضيق لمعنى الحياة ، تحول الكثير من الأفراد إلى حصالات لتجميع الأموال والثروات ، وكل تفكيرهم يدور حول كيفية الحصول على المزيد من الأموال والمصالح ، سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة ، بل ٱن الطرق غير المشروعة باتت هي سيدة الموقف ، ونادراً ما تجد أفراداً ملتزمون بالطرق المشروعة في هذا الخصوص ، بل ٱن التنافس اليوم حول كسب المزيد من الأموال والمصالح ، بالطرق غير المشروعة في مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص ، بات نوعاً من أنواع الذكاء والمباهاة والفخر ..!!
فكلما حصل هذا الشخص أو ذاك على المزيد من الأموال والمصالح والمناصب ، بالطرق غير المشروعة ، كلما نال درجة مرتفعة في المقياس المادي المصلحي ، والعكس صحيح ، وهذا الأمر طبيعي جداً ، في ظل مجتمعات أصبحت السيطرة فيها ، للثقافة والنزعة المادية والمصلحية ، وفي ظل تلاشي الثقافة الروحية والأخلاقية ، وفي ظل إنهيار منظومة المبادئ والقيم ، قد يقول قائل بأن في كلامي نوع من التحامل ، لكن ما يحدث على أرض الواقع في حياة المجتمعات البشرية عموما والعربية على وجه الخصوص من صراعات وحروب ، ما هو إلا نتاج سيطرة النزعة المادية على ثقافة هذه المجتمعات ، فالصراعات القائمة اليوم ، وتغيير الولاءات والمواقف ، هي من أجل المال والسلطة والمناصب إلا من رحم الله ، فكم رأينا من أشخاص وهم يبدلون ولاءاتهم ومبادئهم وأقنعتهم ، من أجل الحصول على المال ، او من اجل الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم ، وذلك لأن هؤلاء الأشخاص قد تأصلت ثقافة المادة والمصلحة في نفوسهم ، فالحصول على الأموال والمناصب والثروات أصبح هدفهم الرئيسي في هذه الحياة ..!!
وهذا يوصلنا إلى حقيقة مؤسفة جداً ، مفادها بأن المادة والأموال والمصالح والمناصب ، قد تحولت من أدوات ووسائل ، إلى غاية ودين ومنهج حياة لدى الكثير من البشر ، ونحن بهذا الطرح لا ننكر أهمية المادة ، فالمادة والأموال أداة ووسيلة وزينة في هذه الحياة ، قال تعالى (( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )) ، لكن في ظل ثقافة متوازنة تجمع بين الروح والمادة ، توازن بين المبادئ والمصالح ' فلا تطغى الجوانب الروحية على الجوانب المادية ، كما هو حال ثقافة الرهبنة والتصوف والتطرف والتشدد ، وصولاً إلى تعذيب الجسد وحرمانه من نعم الله الحلال في هذه الحياة ، قال تعالى (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )) ' ولا تطغى المادية على الروحانية ، وبذلك فإن قوة وعظمة النفوس البشرية تقاس بمدى قدرتها على التمسك بالمبادئ والقيم ، ومدى رفضها للإغراءات والشهوات والعكس صحيح ، فالحفاظ على المبادئ والقيم والتمسك بها في كل الظروف والأحوال ، يحتاج لنفوس قوية عظيمة صادقة سامية ، تسقط أمامها كل المغريات والأطماع المادية والمصلحية ، كما أنه يمنح الإنسان الشعور بإحترام وتقدير الذات ، وكسب احترام الآخربن وتقديرهم ..!!