عبدالله صالح الجيلاني
في حولية شيخنا المشهور
رحم الله شيخنا التقي فلكم عمرت الأرض بسجادتك، فموت العلماء ثلمة لا يسدها ساد، ولا ينوبها مناب.
ولكم رأينا الدمع يتصبب من عينيك فحُق للسماء والأرض أن تبكيك كما قال مجاهد رحمه الله: "ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض، فقيل له: أتبكي الأرض؟ فقال: تعجب؟َ وما للأرض لا تبكي على عبدٍ كان يعمرها بالركوع والسجود؟، وما للسماء لا تبكي على عبدٍ كان تكبيره وتسبيحه فيها كدويّ النحل!".
أهكذا البـدر تُخفي نـــوره الحفرُ
ويُفــقــد الــعلــم لا عينٌ ولا أثرُ
خَبت مصابيحُ كنا نستضىء بِها
وطوّحَت للمغيبِ الأنجمُ الزهـرُ
فلقد ذهب بذهاب شيخنا علم كبير، وخسرت الأمة أحد كبار علمائها، وأبرز مفكريها، ومثل ذهاب شيخنا -رحمه الله- يذهب العلم عن الأرض كما ورد عن سعيد بن المسيب قال: شهدت جنازة زيد بن ثابت فلما دُفن في قبره قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يا هؤلاء من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم.. أيم الله لقد ذهب اليوم علم كثير"، رواه الطبراني.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "أتدرون كيف ينقص الإسلام؟ يكون في القبيلة عالمان، فيموت أحدهما فيذهب نصف العلم، ويموت الآخر فيذهب علمهم كله".
ولا يسعنا التعبير عن حبنا لهذا الإمام إلا أن نقول كما قال ابن المنقذ:
هُو الشمسُ يَبدُو في رداءٍ من الدُّجَى
على خُوطِ بانٍ في كَثيبٍ من الرّملِ
حاز مناقب لم يصل إليها جل علماء عصره، فهو العالم البحر الذي لا يُدرك قعره، ولا يُشق غباره، ولا يطمح أحد في نيل نباهتة وحنكته، ، فكان حقاً رجل المرحلة، ...
فرحم الله شيخنا، الإمام، الملهم، ومعلمنا، الذي بنى طريقنا:
وكَانَت فِي حِيَاتِكَ لنا عظَاتٌ
وَأنتَ اليُومَ أَوْعَظَ مِنكَ حَيًّا
وقال آخر:
ما كُنتُ أَحسَبُ قَبلَ دَفنِكَ في الثَـرى
أَنَّ الكَـــواكِــبَ فـــي التُــرابِ تَغـــورُ
ما كُنتُ آمُــلُ قَــبلَ نَعـــشِـكَ أَن أَرى
رَضــوى عَلى أَيـدي الرِجــــالِ تَسيرُ
خَــرَجــوا بِــهِ وَلِكُــلِّ بـــاكٍ خَلــفَــهُ
صَعَقاتُ مُــوسَى يَــومَ دُكَّ الطُّــورُ
إنه الشخص الذي ،أُعجبت بهمته، وفطنته، وحكمته، وأتلهف لكل جديد منه، وكلما يصدر عنه، ذاك الذي له الفضل الأعظم -بعد الله ﷻ- على العديد من طلابه وطلابهم فمن دونهم، بل والعالم الإسلامي ككل بعلم فقه التحولات الذي أسسه، ونهض به، وأرسى قواعده، إنه فقيد الأمة، من كانت حياته حافلة بالعطاء العلمي والدعوي فترك أثرًا محمودًا في أجيال متعاقبة، وكانت له بصمات مشهودة، في التربية الدينية من خلال بناء جيل وسطي معتدل يتحلى بالقيم الإسلامية السمحة من خلال أربطة التربية الاسلامية، وامتدت بصماته لتشمل الأمة الإسلامية بأسرها، من خلال تأسيسه لجامعة الوسطية الشرعية للعلوم الإسلامية والإنسانية التي تعد منارة للعلم ، وانموذجًا للتربية والبناء الواعي
شارك في العديد من المناشط الدعوية والمؤسسات العلمية، فكان صوته المؤثر يملأ الأذان ويهز القلوب ، يوجه إلى المواقف الحكيمة ،يأخذ بالعزيمة ويمشي خفيف الجناح متواضعًا هاشًا باشًا ، كلماته كانت بذور خير تنمو في أرجاء القلوب، ويداه تخط الصور الناطقة التي تعبر عن آلام الأمة وآمالها ،وخطاه ترسم طريقًا للرحمة والمحبة عند محبيه وتلاميذه ، يبشر بتنفسات المراحل وأن الخيرية في الأمة كالمطر رغم وجود الشر في الأعوام المتعاقبة فعند سماعك له تجده ينثر الأمل في النفوس كالنور المشرق دون بريشته المورد العذب ورسم بأفكاره ومؤلفاته علم المتغيرات صيانة للثوابت وتجديدًا للغة الدعوة رجاء الثمرة المرجوة عند دراسة العلوم الخمسة تحت مضلة الرباعية الشرعية والموضوعية في حديث جبريل حديث أم السنة فقرن العلم النافع بالعمل الجاد المتواصل مشيرًا إلى أهمية القراءة باسم الرّب فكان كمنبع يفيض بالعلم ليروي عطش الراغبين، وينير دروب الباحثين عن القدوات العاملين،
إنه فضيلة شيخنا ومعلمنا، ومن له الفضل كل الفضل -بعد الله- علينا الحبيب_أبوبكر المشهور...
فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الأمة الفردوس الأعلى من الجنة.