علي السراي
الأبعاد الإستراتيجية للرد الايراني ومسارح التمهيد المهدوي
لوحة فنية جميلة رسمتها مسيرات وصواريخ جند الله، أضاءت ليل العدو وكيانه المنهار وحولته إلى نهار بكل رشاقة وجمال.
لوحة تحمل في تفاصيلها رسائل ومحاور عدة،منها إستراتيجية وأخرى تكتيكية وأخرى عملياتية.
أبداً لم يكن رداً باليستياً بمعنى الرد فحسب، بل كان بوابة لدخول مرحلة وعصر جديد، وفق المعطيات والمتغيرات التي تقررها إيران ويصنعها المحور كجبهة واحدة، وليس الكيان كما هو المعتاد.
أما البعد الإستراتيجي الأول، فيتمحور برسالة مقتضبة فهمتها أمريكا والكيان الغاصب، أن الجمهورية الإسلامية قد غادرت مرحلة ( الصبر الاستراتيجي وانتقلت إلى مرحلة الردع الاستراتيجي وإلى الأبد، ورفعت شعاراً مفاده، لقد ولّى زمن اضرب واهرب .. وحل محله مبدأ تَضرِبون ، تُضرَبون …
نعم لسنا الساعين إلى الحرب ولكنا ستُقطع اليد التي تتطاول على دولتنا ). ولأول مرة في تأريخ الصراع يعترف العدو بهذه الحيثية مصرحاً أن الرد الإيراني هو ( إعلان صارخ بفقدان الردع الاستراتيجي لإسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء) .أي أن الوعد الصادق قد خلق وأوجد حالة الرعب المتوازن، فالاسرائيلي بعد الرد الايراني أصبح يفكر مرتين قبل الإقدام على أي حماقة هنا أوهناك، لانه يعلم أن الرد سيكون في داخل عمق الكيان، وذلك لما تمتلكه ايران الآن من خريطة كاملة لأنظمة بنوك الدفاع الصاروخي لدى الكيان .
لقد أفقد الوعد الصادق الكيان المنهار أهم عنصرين كان يعتمدهما في الاستقطاب البشري والاقتصادي وهما عُنصري الأمن والامان، ونرى ذلك واضحاً وجلياً في عملية الهروب الجماعي لقطعان المستوطنين من الكيان، فقد هربت آلاف القطعان منذ أعلنت إيران عن عزمها على الرد، ومازالت عملية الهروب مستمرة. بعد أن تيقنوا أن لاعاصم لهم من صواريخ الله التي دكت وبعزم حيدري عمق كيانهم المنهار، علماً أن الصواريخ الايرانية لم تستهدف أي هدف مدني منهم.
أما البعد الاستراتيجي الثاني، فهو الجانب التكتيكي لعملية الوعد الصادق، وتكمن خطورته وأهميته في إختراق الجدار الحديدي للكيان المنهار، والوصول إلى العمق وبكل رشاقة وأريحية وسهولة.
إن عملية إطلاق المسيرات التي تحتاج الى فترة ٩ ساعات للوصول الى الكيان، وتعضيدها بصواريخ مجنحة وأُخرى بالستية من الجيل الاول، والتي تحتاج إلى دقائق معدودة لتصل إلى الكيان ، كانت بحد ذاتها مناورة كبرى وذكية، استطاعت بها ايران خداع المنظومات الدفاعية والرادارية الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي عملت على ضبط وتأمين أجواء الكيان المنهار، وذلك من خلال عملية إغراق منظومات الدفاع الجوية الاسرائيلية كالقبب الحديدية، ومقالع داوود، ومنظومات صواريخ حيتس ٣.٢.١. للدفاع الجوي، إضافة إلى منظومة رابعة جديدة اسمها الاردن.ناهيك عن الطائرات المقاتلة ( F 35 و F 22 ) بمئات الطائرات المسيرة والتي شاغلت منظومات الدفاع تلك، لتسمح للصواريخ البالستية بالوصول ومعانقة قاعدة (نفتاليم) الجوية والتي انطلقت منها الصواريخ التي استهدفت القنصلية الايرانية في سوريا، إضافة إلى مطار رامون ، وموقعين عسكريين إسرائيلين أخرين تم تدمريهما بالكامل، مما أدى إلى قتل وجرح العشرات لم يعلن الكيان عنهم لحد اللحظة، وهذا مايطلق عليه بالهجوم التكتيكي المركب.
أما البعد الاستراتيجي الثالث، فهو الجانب العملياتي، حيث تكمن أهميته و خطورته في مرور المسيرات الايرانية فوق مفاعل ( ديمونا النووي) في صحراء النقب، وكذلك مرورها فوق مبنى (الكنيست الاسرائيلي) ،
وكذلك بيت الارهابي النتن ياهو، بل لم يبقى مكان حساس إلا ومرت فوقه، بعد ان غطت كامل سماء الكيان ،وهي رسالة خطيرة جداً يفهمها قادة الكيان ومعهم الامريكان مفادها، أن كل كيانكم قد أصبح مكشوفاً لنا، وفي مرمى صواريخنا، وإن بإستطاعتنا الوصول إليه وضربه في العمق في أي وقت تقتضي الضرورة ذلك، وهذا ما جعل الكيان يحجم في الرد المباشر على الهجوم الايراني لانه لايعلم ماتخبئه إيران في جعبتها من أسلحة أخرى لايعرفونها ولم تُصرح وتُعلن عنها، علما أن الصواريخ التي أطلقتها ايران لم تكن فرط صوتية ولا تلك الحديثة منها، بل كانت من الجيل الاول، وكذا الحال مع المسيرات.
ونقطة أُخرى مهمة جداً في الجانب العملياتي، فبرغم من قيام أمريكا والكيان تعطيل نظام تحديد المواقع والاهداف ال( GBS ) في كل أجواء الشرق الاوسط، إلا أن الصواريخ الايرانية قد وصلت إلى أهدافها وبكل دقة، وهذا يعني أن إيران تمتلك نظام تحديد المواقع خاص بها، وتديره عبر الاقمار الصناعية الخاصة بها، وهذا ما فاجىء العدو وجعله يعيد حساباته. أي أن الكيان قد أصبح بين خيارين أحلاهما مُر، أما الرد وهو لايعلم العواقب، واما السكوت وفيه نهاية الكيان وسقوط هيبته وجيشه الذي لايقهر.
كذلك نقطة مهمة أخرى في الجانب العملياتي وهي تكلفة الحرب التي سيتكبدها الكيان في حالة دخوله الحرب المفتوحة، فخلال ساعات محدودة من المواجهة كلفت الكيان المنهار مايقارب المليار ونصف المليار من الدولارات، في الوقت الذي لم تكلف الجانب الايراني اكثر من مليون وهي قيمة الطائرات المسيرة، والسؤال كم المدة التي يستطيع فيها الكيان من الصمود والمطاولة والاستمرار في الحرب؟ .
أما الرسائل التي حملها معه الوعد الصادق فهي.
١- ترجمة المحور للرد الايراني باستعداده الكامل للذهاب إلى أبعد نقطة يريد العدو جر المنطقة إليها، حتى وإن أدى الأمر إلى الدخول المباشر بالحرب المفتوحة وما يعقبها إن إقتضى الأمر، وكذلك أكسب الرد المحور دفعاً جديداً من المعنويات القتالية في الوقت الذي تراجعت فيه معنويات العدو إلى الصفر، بل وقد أعطى دعماً وزخماً وأملاً لكل الشعوب العربية و الاسلامية.
٢- الرسالة الاخرى موجهة لأمريكا وذيولها في المنطقة، ومفادها أن جميع قواعدها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون أهدافاً وطُعمة للصواريخ الباليستية ولن ينجو منها أحد في حالة دخولها الحرب إلى جانب الكيان
٣- الرسالة الثالثة موجهة لدول المنطقة، مفادها نحن مستعدون أن نحميكم، ونتعامل معكم بأفضل سبل التعاون وحُسن الجوار، بل ونقدم مصالحكم على مصالحنا في اطار التعاون المشترك، ولكن إياكم ثم إياكم أن تتآمروا علينا وتقفون مع أعدائنا في حالة الحرب، وقتئذ لن يكون مصيركم بأفضل من مصير الكيان المنهار. بل ان الرد لوحده كان رسالة رعب وجهت اليهم ان احذروا، فقد ضربنا أسيادكم حينما تطاولوا فكيف سيكون الحال معكم انتم الذيول؟
٤- كذلك كشف الوعد الصادق عن مدى التلاحم العظيم بين القيادة والجيش والشعب الايراني، الذي خرج إلى الشوارع مؤيدين وفرحين بهذا الرد الذي اثلج صدورهم وصدور المسلمين في العالم، وهي بيعة شعبية كبرى ورسالة بتفويض كامل إلى الحكومة والقيادة والجيش في كل خطوة وقرار.
٥- وكذلك بعداً اخر جديد مهم دخل إلى الساحة، وهو التأييد الكامل من قبل الشعوب العربية والاسلامية ( إلا ماندر ) لما قامت به الجمهورية الاسلامي في دك حصون الاعداء، في الوقت الذي خانت فيه الحكومات العربية والاسلامية القضية الفلسطينية واصطفت مع الكيان الغاصب، بل وقد عمل بعضهم على حماية الكيان من خلال إسقاط المسيرات والصواريخ الايرانية كما فعل العميل البريطاني المتصهين ملك الاردن.
وفي الحصيلة نقول…واهم من ظن أن ما جرى ويجري وسيجري بعيداً عن التخطيط والمكر الإلهي، فكل الاحداث التي تعصف اليوم في شرق الأرض وغربها، ماهي إلا تمهيد إلهي لعصر الظهور المقدس والذي نعيش إرهاصاته اليوم، فمن يتتبع علامات الظهور الشريف ويسقطها على مايحدث اليوم، يجد نفسه انه يعيش العصر الذي وصفه أئمة أهل البيت عليهم السلام، وإلا فلو حدثنا أحداً قبل عقدين من الزمن عما يجري اليوم لم نكن لنصدقه، وما كان مستغرباً بالأمس أصبح اليوم واقعاً طبيعيا، ولذا فوتيرة الاحداث المصيرية المتصاعدة تحتم علينا إعادة النظر والحسابات في تلك العلامات التي تحققت منها الكثير، حتى وصلنا إلى العلامات الكبرى أو الحتمية منها. والعدو يعلم ذلك وموجود في كتبهم القديمة ما سيؤول إليه أمرهم ومصيرهم على يد القائد الشيعي الذي سيدمدم عليهم عروشهم الظالمة.
ويقيناً ان الاقتدار الايراني الذي نعيشه اليوم من أوضح تلك العلامات ودونكم علامة القوم المشرقيين.
إذاً فقد أصبح لزاماً على كل مسلم تتبع علامات الظهور ومسارحها في الشرق والغرب ، ليكون في صورة الاحداث وقلبها، وليفهم ماذا يجري حوله وإين يقف منها.
وأخيراً… أختم بلسان حال الجمهورية الاسلامية الإيرانية متوعداً قادة الكيان المنهار
( وإن عدتم عدنا وجعلنا جهَنَم للكافرين حصيرا )
ولعنة الله على الظالمين.
سيدي يا أمل المستضعفين
يرونك بعيداً، ونراك قريبا.
اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر.