السودان وإساءة استخدام المنظمات الدولية.. أهداف مشبوهة وفشل متكرر
محاولات متواصلة من سلطة بورتسودان لإساءة استخدام منصات الأمم المتحدة، لتوجيه ادعاءات وافتراءات وأكاذيب ضد الإمارات.
تحمل تلك المحاولات مآرب خبيثة وأهدافًا مشبوهة، على رأسها الإساءة لدولة الإمارات والنيل من مكانتها، بهدف تضليل الرأي العام المحلي والدولي، وصرف الانتباه عن مسؤوليتها عن الجرائم التي تُرتكب في هذه الحرب، بهدف إطالة أمدها وعرقلة أي مسار حقيقي للسلام.
محاولات مصيرها فشل متكرر، ينقلب بعدها السحر على الساحر، وتتحول تلك المنظمات إلى منصات لإدانة انتهاكات وفظائع وجرائم طرفَي الحرب (الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع).
صفعة مزدوجة جديدة
أحدث تلك المحاولات جرت خلال اجتماع الدورة الاستثنائية الثامنة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان بشأن حالة حقوق الإنسان في الفاشر وما حولها، في سياق النزاع الدائر في السودان، التي عُقدت في جنيف اليوم الجمعة.
وكعادتها دائمًا حاولت "سلطة بورتسودان" استغلال المنبر الأممي لترويج أكاذيبها وافتراءاتها، إلا أن دولة الإمارات كانت لها بالمرصاد، وانقلب السحر على الساحر مجددًا، وأمر مجلس حقوق الإنسان المحققين بالسعي لتحديد هويات جميع المتورطين في الفظائع التي يُشتبه بأنها ارتُكبت في مدينة الفاشر السودانية، للمساعدة في جلبهم أمام العدالة.
وتبنّى المجلس قرارًا يأمر بعثة تقصّي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالسودان بالتحقيق بشكل عاجل في انتهاكات القانون الدولي التي ارتكبتها جميع الأطراف في المدينة، وحثّها على "تحديد، متى أمكن"، المشتبه بهم في ارتكابها، في مسعى لضمان "محاسبتهم".
وهو نفس ما نادت به الإمارات التي دعت مجلس حقوق الإنسان الأممي لمحاسبة مرتكبي «الفظائع» في السودان من الطرفين.
دعوة الإمارات لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي تُرتكب من الطرفين دحضت أيَّ مزاعم حول دعم الإمارات لأحد أطراف الصراع، وشكّلت صفعة قوية لمروّجي تلك الأكاذيب، أتبعتها صفعة أخرى من المجلس الأممي بتبنّي نفس الدعوة.
علما الإمارات والسودان
مزاعم متكررة
وكان ممثل سلطة بورتسودان قد حاول استغلال الاجتماع لترديد نفس الأكاذيب القديمة والمزاعم المتكررة بشأن دعم الإمارات لأحد طرفي الصراع، محاولًا المتاجرة بدماء الأبرياء في الفاشر.
إلا أن جمال المشرخ، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، وقف بالمرصاد لتلك الأكاذيب والافتراءات، مفنّدًا إياها قولًا وفعلًا بالأدلة والبراهين.
السفير جمال المشرخ قام بالرد على ممثل سلطة بورتسودان، واضعًا الأمور في نصابها الصحيح، كاشفًا الأهداف الخبيثة من وراء تلك الافتراءات والأكاذيب.
وأكد أن القوات المسلحة السودانية تواصل استغلال كل منبر متاح لترويج الأكاذيب ضد الإمارات، في محاولة يائسة لتضليل المجتمع الدولي والتغطية على مسؤوليتها عن الدمار الذي لحق بالسودان.
وقال السفير الإماراتي: طلبت بلادي حقها في الرد على الممثل المعني، الذي يمثل طرفًا في هذه الحرب، وأوضح أنه بدلًا من توجيه القوات المسلحة السودانية جهودها نحو وقف الحرب الأهلية التي أشعلتها، تُسخّر طاقاتها لحملات تضليل وتشويه، وذلك بهدف إطالة أمد الحرب وعرقلة أي مسار حقيقي للسلام.
وذكر المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف أن تقارير الأمم المتحدة وثّقت ارتكاب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لجرائم حرب وانتهاكات مروّعة للقانون الدولي.
وأكد جمال المشرخ أن القوات المسلحة السودانية رفضت الهدنة الإنسانية رغم الجهود المكثفة التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن المجموعة الرباعية، بدعم دولة الإمارات، والتي كان من شأنها تجنّب التصعيد الأخير في مدينة الفاشر وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية.
وشدد على أن دولة الإمارات تؤكد دعمها الكامل لجميع الدعوات الرامية إلى وقف فوري وشاملٍ لإطلاق النار، وتدعو طرفَي النزاع إلى الالتزام بمسؤولياتهما القانونية والإنسانية، ووضع مصلحة الشعب السوداني الذي يدفع وحده ثمن هذه الحرب العبثية.
كما جدّد التزام الإمارات الراسخ بالعمل مع شركائها الإقليميين والدوليين، بما في ذلك المجموعة الرباعية، لإطلاق عملية انتقالية شاملة تمهّد لإقامة حكومة مدنية مستقلة لا تخضع لسيطرة الأطراف المتحاربة.
وقال: على من يدّعون أنهم بنوا أمجاد دول أخرى أن يتأملوا في الدمار الذي ألحقوه بشعبهم بأيديهم، وأن يُسخّروا جهودهم لبناء دولتهم بدلًا من تصدير الأكاذيب.
واختتم المندوب الدائم كلمته بالتأكيد على أن "الأوطان لا تُبنى على المجازر والدمار، بل بالسلام والتسامح والحوار، فلا ينبغي أن ننسى أن سلطة بورتسودان، الطرف الذي يسعى إلى كسب التعاطف الدولي في هذه الجلسة، هو نفسه الذي أغرق دارفور بالدماء قبل عشرين عامًا، واستولى على السلطة بالقوة مرة أخرى من الحكومة المدنية المنتخبة في أكتوبر 2021".
فشل متكرر
وليس هذا الفشل الأول من نوعه لسلطة بورتسودان في إساءة استخدام المنظمات الأممية لتحقيق أهدافها وترويج أكاذيبها ضد الإمارات.
فقبل نحو شهر، تلقت سلطة بورتسودان صفعة قوية خلال اجتماعات الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التي عُقدت في جنيف من 8 سبتمبر/أيلول إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والدورة السادسة والسبعين للجنة التنفيذية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي عُقدت في جنيف أيضًا خلال الفترة من 6 إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكعادتها دائمًا، حاولت سلطة بورتسودان استغلال اجتماعات المنابر الأممية لترويج أكاذيبها ضد دولة الإمارات، إلا أنها تلقت صفعات مزدوجة من جانب الدبلوماسية الإماراتية التي فنّدت تلك الأكاذيب، ومن جانب آخر عبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي أصدر قرارًا بتمديد عمل بعثة تقصي حقوق الإنسان في السودان لعام آخر، رغم اعتراض سلطة بورتسودان ومحاولتها الحثيثة إنهاء عمل البعثة الأممية، التي حملت طرفَي النزاع، الجيش وقوات الدعم السريع، المسؤولية عن الانتهاكات التي تشهدها البلاد.
وأدان القرار الانتهاكات الجسيمة في السودان، داعيًا إلى وقف الحرب ومحاسبة المسؤولين، وعدم الإفلات من العقاب، ودعم عملية انتقال سياسي بقيادة مدنية نحو حكومة ديمقراطية.
ولم يستطع المندوب الدائم لسلطة بورتسودان بجنيف إخفاء صدمته من القرار، الذي اعتبره دعمًا من المجتمع الدولي لدولة الإمارات، بعد تجاهله لأكاذيب سلطة بورتسودان ضدها.
بل وجاءت بنود القرار متفقة مع ما تدعو له دولة الإمارات دائمًا كآلية لحل أزمة السودان.
وقبيل ذلك، وسيرًا على نفس الدرب، قدمت حكومة جيش السودان شكوى ضد دولة الإمارات في محكمة العدل الدولية، إلا أن محكمة العدل الدولية في لاهاي رفضت في 5 مايو/أيار الماضي الدعوى المقدمة من قبل سلطة بورتسودان ضد دولة الإمارات، التي تتهمها فيها — دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي — بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع السودانية والفصائل المتحالفة معها ضد جماعة المساليت العرقية في غرب دارفور.
قرار اعتُبر انتصارًا لدولة الإمارات ودبلوماسيتها الداعمة للسلام في السودان، وصفعة جديدة لحكومة جيش السودان من أعلى وكالة قضائية في هيئة الأمم المتحدة.
أيضًا فشلت محاولات حكومة السودان المتكررة للإساءة لدولة الإمارات عبر مجلس الأمن الدولي، وهو ما تُوِّج بصدور تقرير نهائي من مجلس الأمن الدولي عبر فريق خبرائه المعني بالسودان، بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2025، كشف عن زيف ادعاءات الجيش السوداني بحق دولة الإمارات بشأن دعمها أحد أطراف النزاع، حيث لم يتضمن أي استنتاجات أو دليل واحد ضد دولة الإمارات.
ولم يكشف التقرير النهائي لمجلس الأمن الدولي حول السودان عن زيف ادعاءات جيش السودان بخصوص الإمارات فحسب، بل أنصفها، مُنوّهًا بدورها في دعم محادثات جنيف لتحقيق السلام في السودان، التي عرقلها الجيش السوداني نفسه.
رؤية حكيمة
اندلعت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، عندما اختلف الطرفان اللذان كانا يتقاسمان السلطة سابقًا حول خطط دمج قواتهما خلال فترة الانتقال إلى الديمقراطية.
وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين، ومعاناة نحو نصف سكان السودان من مستويات مختلفة من الجوع وانتشار الأمراض في أنحاء البلاد.
وفي تطور فارق بمسار الحرب، سقطت مدينة الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بيد قوات "الدعم السريع"، بعد أكثر من 18 شهرًا من الحصار، وكانت آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، ما أتاح لقوات الدعم السريع بسط سيطرتها الكاملة على الإقليم الشاسع الذي يشكل نحو ثلث مساحة السودان.
ومع السيطرة على الفاشر، دخلت الحرب مرحلة جديدة، وسط تحذيرات من تداعيات استمرار الصراع، فيما شهدت المدينة وقوع انتهاكات عقب السيطرة عليها أثارت انتقادات دولية واسعة.
وأقر محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، بوقوع تجاوزات في الفاشر، وتعهد بتشكيل لجنة تحقيق حول ما حدث.
التطورات في الفاشر على المسارين الإنساني والعسكري أثبتت صواب الرؤية الإماراتية، التي لطالما أكدت منذ بدء الأزمة أن الحل السياسي وحده قادر على تحقيق السلام بالسودان. كما أكدت الحاجة الماسة لهدنة إنسانية لطالما دعت دولة الإمارات إليها، ومعها المجموعة الرباعية التي تقود جهود حل الأزمة في السودان.
سبق إنساني
وكانت الإمارات سباقة في الإعلان عن تقديم تبرع بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لدعم العمليات الإنسانية المنقذة للحياة في الفاشر خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبذلك يصل إجمالي مساعداتها إلى أكثر من 780 مليون دولار منذ اندلاع الأزمة قبل 31 شهرًا، وترتفع إجمالي مساعداتها للسودان على مدار الـ10 سنوات الماضية إلى أكثر من 4.2 مليار دولار.
حراك متواصل
دعم إنساني يواكبه حراك دبلوماسي ضمن دبلوماسية سلام إماراتية بدأت منذ اللحظات الأولى للأزمة وتتواصل حتى اليوم، في إطار حراك إماراتي عابر للحدود والقارات.
حراك يدعم أي حل سياسي سلمي في السودان، يسكت أزيز الرصاص ويحفظ وحدة البلد الأفريقي، ويعيد الاستقرار والأمن والسلام إلى أراضيه، ويحقق تطلعات شعبه في التنمية والرخاء.
لذلك كانت دولة الإمارات عضوًا فعالًا في مختلف الآليات الدولية التي تم تشكيلها لمعالجة الأزمة، بدءًا من منصة «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان»، وصولًا إلى المجموعة الرباعية التي تعمل على إنهاء الصراع وتهيئة الظروف للحوار.
وشكل البيان المشترك للرباعية حول السودان الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي خطوة تاريخية في مسار الجهود الرامية لإنهاء الأزمة.
وقدم البيان تشخيصًا دقيقًا لطبيعة الأزمة ورسم خريطة طريق واضحة لمعالجتها، من خلال هدنة إنسانية تعقبها عملية انتقال مدني للسلطة.
ومن خلاله، جددت دولة الإمارات التأكيد على أنه لا حل عسكريًا للأزمة السودانية، وأن التوافق الإقليمي والدولي الذي عكسه البيان يمثل دعمًا مهمًا لمسار السلام ووحدة السودان.