القاعدة في مالي تتخلى عن تكتيك «الإرهاق» لصالح «ضربات المطارق»

وكالة أنباء حضرموت

يلاحظ خبراء شؤون الساحل الأفريقي تخلي تنظيم القاعدة عن تكتيك شن الغارات لصالح استراتيجية جديدة لكسب الأرض.

ويعتبر الخبراء أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية للقاعدة في المنطقة طورت من عملياتها وتجنبت عمليات نصب الأكمنة التي كانت تشكل عنصر إرهاق للجيش العامل في الساحل الأفريقي.

ويرى الخبراء أن القاعدة في مالي دخلت مرحلة جديدة من الصراع تتمحور حول الخنق الاقتصادي والتحالفات المحلية. واعتبروا أن التركيز على تعطيل الإمدادات الحيوية وفرض السيطرة على مسارات التجهيزات والخدمات، إلى جانب بناء روابط قبلية ودينية في الوسط والغرب المالي، يعكس استراتيجية تهدف إلى زيادة الضغط على الحكومة وإضعاف شرعيتها بدلاً من الانخراط في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية.

وبينما اعتبر وزير الخارجية المالي عبد الّلائي ديوب أن "تغيير نمط عمل الإرهابيين" يعد "إشارة على ضعفهم"، جاء ذلك في تعليق نشره على حساباته في شبكات التواصل الاجتماعي أثناء أزمة الحصار على محروقات البلاد، بحسب إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية. وتأتي تصريحات الوزير وسط تفاقم أزمة حقيقية ناجمة عن حصار متواصل لطرُق الإمداد وعمليات ممنهجة ضد ناقلات الوقود أدت إلى نقص حاد وانقطاع خدمات أساسية في العاصمة باماكو ومدن أخرى.

أدوات جديدة
رأى مارك أنطوان بيروز دو مونتكلوز، أستاذ العلوم السياسية الفرنسي المتخصص في النزاعات المسلحة وغرب أفريقيا والساحل، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن المشهد الميداني في الأشهر الأخيرة أظهر تحوّلاً واضحاً في طريقة عمل التنظيم الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي، لا سيما في مالي. ونوّه الخبير إلى التقارير الميدانية والبحثية التي تشير إلى إدماج الجماعات المسلحة في الساحل لتقنيات وأدوات قتالية جديدة، لا سيما المسيرات، التي تُستخدم للاستطلاع ولشن ضربات موجهة على أهداف لوجستية.

وأضاف أن هذا التطور يعكس رغبة الجماعات الإرهابية في رفع دقة الضربات وتقليل تعرضها للملاحقة الميدانية، ما يمنحها طابعاً "شبه نظامي" في إدارة سلاسل هجماتها: استطلاع، ضرب هدف لوجستي، انسحاب سريع، مع الإبقاء على تأثير اقتصادي واجتماعي كبير. وأن المزيج بين تقنيات منخفضة التكلفة وتكتيكات خاطفة يوفر قدرة على الاستمرار في تعطيل الدولة اقتصادياً وبنيوياً مع تقليل تكاليف المواجهة المباشرة.

التحول الميداني
بدوره، قال سيريجي بامبا جاييه، الباحث السنغالي المتخصص في أمن الساحل، إن توالي الهجمات خلال الأشهر الماضية أظهر نمطاً عملياً واضحاً، مشيراً إلى أن الهجمات المنسقة ضد القوافل وشاحنات نقل الوقود على محاور رئيسية (حرق ناقلات، اختطاف سائقين، إغلاق ممرات حدودية) أدت إلى شلل شبه تام لإمدادات البنزين والديزل إلى باماكو. ورأى أن ارتفاع العمليات الخاطفة والموجهة ضد نقاط لوجستية واقتصادية (قواعد إمداد، محطات وقود، مراكز توزيع) بدلاً من الاعتماد الوحيد على الكمائن التقليدية ضد العمق العسكري، يمثل "حرباً اقتصادية" تهدف إلى خلخلة سلطة الحكومة وإضعافها شعبياً.

وأضاف أن الهجمات الموجّهة على الإمدادات والطرق ليست خياراً عشوائياً، بل تكتيك يعكس قناعة الجماعة بأن التأثير على حياة المدنيين والاقتصاد يمارس ضغطاً أكبر على السلطة من المواجهات العسكرية المباشرة. وأشار إلى أن هذا التحوّل، الذي يسميه بعض المحللين "حرباً اقتصادية"، يعكس قناعة الجماعة بأن قطع شريان الإمداد وتأثيرها المباشر على حياة المدنيين أكثر فعالية في تحقيق أهدافها السياسية.

التحالفات المحلية
ورأى الباحث السنغالي أن التنظيم، إلى جانب أدوات العنف، يعمل على توسيع قواعده الاجتماعية والسياسية داخلياً، موضحاً أن التنظيم عمل على توطيد علاقات مع شبكات قبلية محلية وبعض القيادات الدينية والعرقية في مناطق الوسط والغرب المالي عبر آليات متعددة: عرض حماية محلية مقابل موارد، ووعود بنفوذ إداري محلي، أو استغلال غياب الخدمات الحكومية لتقديم بدائل أمنية واجتماعية.

وأضاف أن هذا الاستقطاب يمكّن الجماعة من تحويل مناطق معينة إلى "مناطق نفوذ" تسيطر فيها قوى محلية غالباً عبر ضغوط اجتماعية أو تسهيلات لوجستية على طرق الحركة، ما يزيد فعالية الهجمات على القوافل ويعقّد أي محاولة حكومية لاستعادة السيطرة دون مواجهة احتكاكات مدنية خطرة. كما تستخدم عناصر من النفوذ المحلي لفرض قواعد سلوكية تُظهر سلطة بديلة، الأمر الذي ينعكس على الحياة اليومية للمدنيين ويعمّق استنزاف الدولة شرعياً.