الثروة الفرنسية تتجاوز 19.5 تريليون يورو.. تعافٍ اقتصادي أم ازدهار وهمي؟

وكالة أنباء حضرموت

سجلت الثروة الوطنية المجمّعة في فرنسا ارتفاعا ملحوظا مع نهاية عام 2024، لتبلغ 19.559 تريليون يورو، وفقا لتقرير مشترك صادر عن المعهد الوطني للإحصاء وبنك فرنسا.

ويعكس هذا الرقم نموًا بنحو 3% خلال عام واحد، بعد تراجع سُجِّل عام 2023 بنسبة 2.5%، ما يشير إلى عودة ديناميكية الثروة رغم الضبابية السياسية والقلق الاقتصادي، بحسب ما أوردته محطة BFM التلفزيونية الفرنسية.

وأوضح التقرير أن ثلاثة أرباع هذه القيمة الإجمالية مملوكة للأفراد الفرنسيين، مما يعزّز مكانة فرنسا ضمن الاقتصادات صاحبة أعلى ثروة خاصة في أوروبا.

ورغم المخاوف المتعلقة بتباطؤ النمو والمنافسة الدولية والحالة السياسية غير المستقرة، يبقى مستوى الثروة القومية مرتفعًا بشكل لافت، وهو ما يمنح باريس هامشًا من الثقة في مواجهة الضغوط الاقتصادية المقبلة.

وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إنه، على الرغم من القلق الاقتصادي وتراجع موقع فرنسا في المؤشرات العالمية، حملت نهاية عام 2024 إشارة إيجابية نادرة لصنّاع القرار والشارع الاقتصادي، بعدما بلغت الثروة الوطنية المجمّعة 19.559 تريليون يورو، بارتفاع يقارب 3% عن العام السابق، عقب عام من التراجع بنسبة 2.5%.

هذا التحسن، وفقًا للتقرير، يعكس عودة النشاط الجزئية إلى الاقتصاد الفرنسي رغم الضبابية السياسية وتباطؤ النمو. وتشير البيانات إلى أن الأسر الفرنسية تمتلك ثلاثة أرباع الثروة الإجمالية، وهو ما يؤكد قوة الثروة الخاصة التي لطالما تميّز بها الاقتصاد الفرنسي، حيث تعتمد العائلات على الأصول العقارية والمدخرات المالية كركائز مستقرة على المدى الطويل.

كما شهدت قيمة الأصول العقارية – السكنية منها والتجارية – تحسنًا ملحوظًا ساهم في رفع إجمالي الثروة، إلى جانب ارتفاع قيمة الأصول المملوكة للدولة. ويمنح هذا التوازن بين الثروة العامة والخاصة الاقتصاد الفرنسي قدرة أكبر على المرونة ويحد من المخاطر المرتبطة بالدين العام والضغوط المالية.

ورغم أن الأرقام تعكس تعافيًا نسبيًا، فإن المفارقة تكمن في أن فرنسا تواجه في الوقت ذاته سلسلة من التحديات؛ فالنمو الاقتصادي لا يزال بطيئًا مقارنة بدول أوروبية أخرى، كما شهدت جاذبيتها الاستثمارية تراجعًا في بعض القطاعات الاستراتيجية، وسط حالة من الغموض السياسي المتصاعد منذ انتخابات 2024، ما أدى إلى حذر واضح من المستثمرين والأسواق.

وترى الصحيفة الفرنسية أن ارتفاع الثروة لا يكفي لتبديد المخاوف، لكنه يمنح البلاد درع أمان ماليًا يجنّبها أزمات حادة كالتي واجهتها بعض الدول الأوروبية خلال العقد الأخير.

وبالمقارنة مع بقية أوروبا، تظل فرنسا ضمن أكثر ثلاثة اقتصادات ثراءً من حيث إجمالي الثروة، كما تمتلك واحدة من أعلى مستويات الثروة الفردية في القارة. ومع ذلك، لا ينعكس هذا الارتفاع مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين؛ فالكثير منهم لا يشعر بتحسن حقيقي في مستوى المعيشة، مع استمرار التضخم وارتفاع الأسعار وثبات الأجور وتزايد تكاليف السكن.

وهنا تتضح الفجوة التقليدية بين مؤشرات الاقتصاد الكلي وتجربة المواطن اليومية، حيث تبقى الثروة رقمًا في التقارير أكثر منها واقعًا ملموسًا في جيوب الفرنسيين.

وإذا استمر هذا الاتجاه التصاعدي في عام 2025، فقد تتمكن فرنسا من توظيف قوتها المالية لتعزيز الاستثمارات الاستراتيجية وتمويل إصلاحات اجتماعية حساسة، أبرزها نظام التقاعد والقطاع الصحي. لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن أي اضطراب جديد في أسعار الطاقة أو الفائدة قد يعيد البلاد إلى دوامة التباطؤ.

في المحصلة، تبدو فرنسا أمام وضع اقتصادي مزدوج؛ ليست في مرحلة ازدهار، لكنها أيضًا بعيدة عن حافة الانهيار. فالثروة التي تجاوزت 19.5 تريليون يورو تمثل رصيدًا مهمًا في مواجهة التقلبات المقبلة.

وترى "لوفيغارو" أنه إذا تمكنت البلاد من استعادة ثقة المستثمرين وتهدئة مناخها السياسي، فقد يتحوّل هذا التعافي الرقمي إلى تحسن اقتصادي ملموس يشعر به المجتمع الفرنسي بأكمله.