مواجهة خطاب الإخوان.. فرنسا تنتقل من الدفاع إلى الهجوم
يعتقد خبراء فرنسيون أن القرار الأخير بإغلاق معهد يروّج لخطاب الإخوان إداريًا يعكس تفعيل باريس لمروحة خياراتها في مواجهة فكر الجماعة.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أُغلق معهد "الفلك" في ضاحية "أنتوني" جنوب باريس بقرار إداري صدر عن محافظ منطقة "أوت دو سين" ألكسندر بروجير، بعد تقارير رسمية تحدثت عن "انحرافات تتعلق بالترويج لخطاب إسلام سياسي قريب من الإخوان" ومخاطر على النظام العام، وفق المادة القانونية التي تسمح بإغلاق أي مركز يُشتبه في استخدامه لأغراض دعوية متطرفة أو لأنشطة تتعارض مع مبادئ الجمهورية.
واعتبر الخبراء الفرنسيون أن الدولة انتقلت من سياسة ردّ الفعل إلى سياسات استباقية، وأن المؤسسات الثقافية لم تعد منطقة آمنة للتيارات متطرفة، مشددين على أنه لا حصانة قانونية لأي منشأة تحمل مشروعًا مجتمعيًا بديلًا، حتى وإن بدت مدنية أو ثقافية.
وأفادت إذاعة "يوروب 1" الفرنسية بأن الشرطة نفذت الإغلاق فورًا، وأوقفت الأنشطة، وأُبلغ المشرفون على المعهد بالتدابير المتخذة. لكن الجديد أن الإذاعة تمكّنت من الوصول إلى تسجيلات قديمة "لخطابات ذات محتوى عنيف" ألقاها المسؤول عن المعهد قبل نحو 15 عامًا، وقد تم تحويلها بالفعل إلى النيابة العامة.
من جانبه، قال الخبير الأمني الفرنسي جان-بيار لوغويي، المختص بقضايا التطرف داخل المراكز التعليمية والمساجد في فرنسا، لـ"العين الإخبارية" إن إغلاق "الفلك" ليس حدثًا معزولًا:
"هذا القرار جزء من سياسة استباقية؛ فالدولة الفرنسية لم تعد تنتظر وقوع حادث أمني حتى تتدخل، بل تتحرك قبل أن تتحول المؤسسات الثقافية أو التعليمية إلى بؤر مغلقة تنتج خطابًا انعزاليًا أو معاديًا لقيم الجمهورية".
وأضاف لوغويي أن تسجيلات المسؤول عن المركز، التي تصف الفرنسيين بأنهم "حلفاء الشيطان" وتدعو إلى "عقوبة إلهية" عليهم، تمنح القرار الإداري "مشروعية قانونية قوية".
وأوضح: "حين يتبنى شخص مسؤول عن مركز تعليمي خطابَ كراهية، ويقلل من قيمة القانون المدني، ويتحدث عن زواج القاصرات… فهذا لم يعد مجرد رأي ديني، بل مشروع اجتماعي موازٍ يرفض قوانين الجمهورية".
ويرى الخبير أن فرنسا باتت تنظر إلى "الإسلام السياسي" ليس كمسألة دينية، بل كـ"مشروع نفوذ" يعمل على إنشاء مجتمعات موازية داخل الدولة.
وأوضح أن أسلوب الإخوان حول العالم يعتمد على ثلاث أدوات: التعليم، والأنشطة الاجتماعية، والخطاب الديني الناعم. وحين تتقاطع هذه الأدوات داخل مؤسسة واحدة، تتحول من مركز ثقافي إلى آلية استقطاب.
وتابع: "الجديد أن الدولة لم تكتفِ بإغلاق المبنى، بل أحالت الخطب القديمة إلى النيابة، وهذا يعني أن الملف قد يتحول من إجراء إداري إلى مسار قضائي كامل، وهو تطور غير مسبوق في التعامل مع المؤسسات ذات الخلفية الإخوانية".
بدورها، قالت آن-لور دوبون، باحثة علم الاجتماع السياسي بجامعة باريس نانتير، والمتخصصة في الحركات الدينية والمجتمعات المهاجرة، لـ"العين الإخبارية" إن الملف لا يتعلق فقط بالخطب القديمة، بل بـ"بنية تشغيلية كانت تكرس الانفصال المجتمعي".
وأضافت أن "الفصل الصارم بين الرجال والنساء، وفرض لباس معين، واشتراط إذن الزوج لحضور الدورات، ليست تفاصيل فقهية… بل أدوات اجتماعية لإنتاج جيل يعيش خارج المنظومة القانونية للجمهورية".
وأشارت دوبون إلى أن أجهزة الدولة الفرنسية لم تعد تتسامح مع المؤسسات التي "تعمل بواجهة ثقافية" بينما تسعى فعليًا إلى تشكيل بيئة اجتماعية موازية.
وأوضحت أن الإخوان في فرنسا تعلموا منذ سنوات أن الدولة تراقب المساجد، فانتقلوا إلى مراكز اللغة والثقافة والجمعيات الرياضية والتعليم المنزلي، لذلك انتقلت المعركة من المساجد التقليدية إلى فضاءات تبدو غير دينية.
وأكدت الباحثة أن قرار المحافظ جزء من سياسة أوسع: "في العامين الأخيرين، أُغلقت عشرات المدارس والجمعيات والمراكز التي اعتُبرت وسائل ناعمة للنفوذ الإسلاموي. فرنسا تقول اليوم بوضوح: ليست هناك حصانة لمؤسسة ثقافية إذا استُخدمت ساترًا لنشاط عقائدي معادٍ للقانون".
وبحسب المعلومات التي نشرتها "يوروب 1"، فإن المعهد كان منذ أشهر في دائرة متابعة "خلية مكافحة الإسلاموية والانغلاق المجتمعي"، إضافةً إلى مخالفات أمنية خطيرة في نظام مكافحة الحرائق، ما منح القرار الإداري غطاءً قانونيًا مزدوجًا، أمنيًا وفكريًا.