فساد وغلاء ونظام يتغذّى على شعبه: الاقتصاد الإيراني على حافة الانهيار
فساد وغلاء ونظام يتغذّى على شعبه: الاقتصاد الإيراني على حافة الانهيار
تشهد إيران اليوم انهياراً اقتصادياً متسارعاً، حيث تتكشّف يوماً بعد يوم أوجه الفساد البنيوي في نظام ولاية الفقيه، وسط ارتفاعٍ حادّ في الأسعار وتدهور مستوى المعيشة وتزايد السخط الشعبي

تشهد إيران اليوم انهياراً اقتصادياً متسارعاً، حيث تتكشّف يوماً بعد يوم أوجه الفساد البنيوي في نظام ولاية الفقيه، وسط ارتفاعٍ حادّ في الأسعار وتدهور مستوى المعيشة وتزايد السخط الشعبي. ويبدو أن النظام الذي فشل في إدارة الاقتصاد يعتمد اليوم سياسة جديدة تقوم على امتصاص ما تبقّى من قدرة الشعب على الصمود، عبر رفع أسعار الوقود وإلغاء الدعم النقدي وتوسيع دائرة الضرائب غير المعلنة، في محاولةٍ يائسة لتأجيل الانفجار الاجتماعي القادم.
في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2025، كشف موقع اقتصاد أونلاين التابع للنظام أن مجلس الوزراء وافق رسمياً على رفعٍ تدريجيٍّ لأسعار البنزين، وهي خطة أُقرّت في 17 أيلول (سبتمبر) وأُعلنت في 5 تشرين الأول (أكتوبر)، بذريعة "تقليص المقاومة الاجتماعية" وتضييق الفارق السعري بين البنزين والغاز الطبيعي المضغوط (CNG). وأوضحت صحيفة خبر فوري في اليوم نفسه أن القرار يشمل تسعيراً متعدّد المراحل، حيث ترتفع الأسعار كلّما تجاوز الاستهلاك الحصة المقررة، فيما تُحمّل عمولات المحطات وتكاليف النقل للمستهلكين بحجة تصحيح "اختلالات الميزانية".
لكنّ الهدف الحقيقي واضح: تخدير غضب الناس وتوزيع الأعباء على الفقراء. فقد وصف النائب مرتضى محمودي القرار بأنه "مدّ اليد إلى جيوب المواطنين"، متسائلاً لماذا تجاهلت الحكومة الحلول الممكنة المنصوص عليها في قانون الموازنة، كتحويل حصص الوقود إلى بطاقات مصرفية، لتختار بدلاً من ذلك طريق الضغط المالي على الشعب.
حتى رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف اعترف منتصف تشرين الأول (أكتوبر) بأن الدولة تشتري الوقود بأسعار أعلى بكثير من السعر المحلي، وأنها "لا تستطيع تحمّل الفارق"، غير أنّ الحكومة لم تتجه إلى مكافحة التهريب والفساد بل إلى فرض ضرائب مقنّعة على الأسر عبر التضخّم، فيما تبقى امتيازات النخبة الحاكمة على حالها.
نهب ماليّ مقنّع تحت ستار السياسة الطاقوية
القرارات الجديدة تُثقل كاهل ذوي الدخل المحدود، الذين سيتحمّلون ارتفاع أسعار الغذاء والنقل، بينما يحتفظ الميسورون بخياراتٍ أكثر عبر استخدام الغاز الطبيعي. وبنقل عمولات المحطات وتكاليف النقل إلى المستهلكين، حوّلت الحكومة أزمة الطاقة إلى صدمةٍ عامة في الأسعار.
وتزداد المفارقة فجاجةً حين نقرأ ما نشره موقع خبر أونلاين عن عرض طهران تزويد لبنان بالوقود مجاناً – وهو ما رفضته بيروت خشية العقوبات – في الوقت الذي يُجبر فيه المواطن الإيراني على دفع فواتيره المتزايدة. الرسالة واضحة: المصالح الجيوسياسية أولاً، واحتياجات الشعب آخراً.
اقتصاد منكمش عاجز عن امتصاص صدمة الوقود
تشير بيانات مركز أبحاث البرلمان الإيراني إلى انكماشٍ بنسبة 0.3 بالمئة في النصف الأول من العام الإيراني الحالي (آذار – أيلول) 2025، بعد أن كان النمو العام الماضي 3.1 بالمئة نتيجة طفرةٍ نفطيةٍ عابرة. فيما توقّع البنك الدولي تراجع الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.7 بالمئة في عام 2025 وبـ 2.8 بالمئة إضافية في 2026، بسبب تقلّص صادرات النفط، والركود في القطاعات غير النفطية، وعودة العقوبات الأممية، وانعكاسات الحرب الأخيرة التي دامت اثني عشر يوماً. كما حذّر مركز أبحاثٍ في أبوظبي من أنّ عودة العقوبات بالكامل قد تدفع إيران إلى حافة الانهيار الاقتصادي الشامل.
وبحسب هذه الأرقام، التي تُنشر حتى ضمن مؤسسات النظام نفسه، يتضح أنّ الفساد والرقابة السياسية على البيانات جعلا الشفافية في إيران "جريمةً وطنية".
في ظل هذا الوضع، لم تُخلق سوى 298 ألف فرصة عمل من أصل مليونٍ وعدت بها الحكومة. أما الاستثمار الإنتاجي فظلّ دون 1.5 بالمئة، فيما تحتاج الحكومة إلى تمويلٍ يعادل 150 بالمئة من قدرات النظام المالية الواقعية لتحقيق هدف النمو بنسبة 8 بالمئة، وهو ما يجعل الهوّة التمويلية أوسع من أن تُسدّ.
وفي 14 تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن قاليباف إلغاء الدعم النقدي عن 18 مليون مواطنٍ اعتباراً من أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، مع استبداله بمساعداتٍ عينيةٍ رمزية. وبهذا، يدفع المواطنون فواتير أعلى مقابل دعمٍ أقل في عامٍ يشهد انكماشاً اقتصادياً متسارعاً.
الفساد البنيوي من الملاعب إلى المرافئ
لم يعد الغضب الشعبي مرتبطاً بالأرقام الاقتصادية فقط، بل برموز الاستهتار والفساد. فقد كشفت تقارير رياضية أن المباراة الودية لمنتخب إيران في الإمارات كلّفت نحو 60 مليار تومان، شملت وفداً من 89 شخصاً بينهم نواب ومسؤولون، إضافةً إلى 10 آلاف دولارٍ لوكيلٍ نظّم لقاءً مع تنزانيا. تقشّفٌ في الداخل، وبذخٌ في الخارج.
كما اعترف رئيس جمعية المستوردين بأنّ نحو ثلثي الواردات الإيرانية تتم عبر التهريب، مؤكداً أنّ ذلك "مستحيل من دون تواطؤ داخل الأجهزة الرسمية". أي إنّ الفساد المؤسسي هو المحرك الحقيقي للنزيف المالي، وليس الدعم الشعبي كما يدّعي النظام.
بين الانهيار والخوف من الانتفاضة
ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتصاعد الاحتقان الاجتماعي، لجأ نظام خامنئي إلى تكثيف الإعدامات بوتيرةٍ غير مسبوقة لبثّ الرعب بين المواطنين ومنع اندلاع انتفاضةٍ جديدة. فالإعدامات الجماعية أصبحت اليوم سلاح النظام السياسي الأول، يُستخدم لقمع المجتمع وتعطيل أيّ حراكٍ احتجاجيٍّ محتمل، بينما تتواصل عمليات الإعدام العلنية في السجون لإرهاب الشعب وتثبيت أركان الحكم المترنّحة.
نظام ينهار من الداخل
رفع أسعار الوقود ليس إصلاحاً اقتصادياً بل ردّ فعلٍ غريزيٍّ لنظامٍ مفلسٍ يعيش على دماء شعبه. فحيث تعجز الحكومة عن كبح الفساد أو وقف التهريب، تلجأ إلى جيوب المواطنين لتغطية فشلها. وفي الوقت الذي تستورد فيه البنزين وتقدّمه مجاناً لحلفائها في الخارج، تقطع الدعم عن الفقراء في الداخل وتموّل رحلاتٍ فاخرةً لمسؤوليها.
إنه ليس تقشّفاً، بل تفكّكٌ شامل. فقد اختار النظام طريق القمع بدلاً من الإصلاح، والنهب بدلاً من الإنتاج، ما يدفع البلاد نحو عاصفةٍ كاملة تجمع بين الانهيار الاقتصادي، والإرهاق الاجتماعي، والانفجار السياسي. وسواء بدأت الشرارة باحتجاجٍ على أسعار الوقود أو بنداءٍ أوسع من أجل الكرامة، فإنّ السؤال لم يعد هل ستندلع الانتفاضة المقبلة؟ بل متى؟