مبادرات أوزبكستان تُمهد لمرحلة جديدة في تحول منظمة الدول التركية

وكالة أنباء حضرموت

في الفترة من 6 إلى 7 أكتوبر من هذا العام، عُقدت القمة الثانية عشرة لمنظمة الدول التركية في غابالا، أذربيجان. 

وخلال كلمته في الحدث، ركز رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف على عدد من القضايا الملحة وطرح مبادرات بالغة الأهمية لتطوير التعاون. 

شملت هذه المقترحات جميع مجالات التعاون ضمن إطار المنظمة ومشاريع تركية كبرى تشكل محور النقاش.

 أكدت الأفكار التي قدمها رئيس الدولة مرة أخرى أن تعزيز علاقات أوزبكستان مع "العالم التركي" لا يخدم أهدافًا تكتيكية، بل أهدافًا استراتيجية طويلة الأمد.

ففي خطابه، أكد رئيس الدولة على أهمية الارتقاء بالتعاون في عدد من المجالات الرئيسية إلى مستوى جديد. 

ومن المتوقع أن تعزز المقترحات التي قدمها الرئيس شوكت ميرضيائيف التغيرات التحولية الإيجابية المُلاحظة ضمن إطار المنظمة.

ستنعكس هذه التغيرات، في المقام الأول، في تعزيز الوحدة السياسية والتماسك بين الدول التركية. 

فعلى سبيل المثال، خلال القمة الثانية عشرة، أعرب رئيس الدولة عن دعمه لاعتماد اتفاقية الشراكة الاستراتيجية والصداقة الأبدية والأخوة بين الدول التركية. 

وقد لقيت هذه الفكرة ترحيبًا حارًا من قادة الدول المشاركة، حيث تُعتبر هذه الاتفاقية وثيقة سياسية رئيسية لتطوير التعاون، وستشكل أساسًا متينًا للارتقاء بالعلاقات العملية إلى مستوى جديد.

كما تؤكد هذه الوثيقة أن أوزبكستان تُعد أحد الأطراف الرئيسية في تشكيل نموذج جديد للعلاقات بين الدول في الفضاء التركي. 

فأوزبكستان هي التي صيغت بمبادرتها "ميثاق العالم التركي"، الذي تم اعتماده في القمة الحادية عشرة للعالم التركي العام الماضي.

 بالإضافة إلى ذلك، تسعى بلادنا إلى إثراء العلاقات مع الدول الشقيقة في إطار التعاون الثنائي من خلال عقود قانونية.

ومنذ عام 2019، نجحت أوزبكستان في رفع مستوى العلاقات مع جميع الأطراف المشاركة في المنظمة. 

فقد تم رفع العلاقات مع كازاخستان وأذربيجان إلى مستوى التحالف، ومع تركيا وقيرغيزستان إلى مستوى التعاون الاستراتيجي الشامل، ومع تركمانستان وهنغاريا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

وفي هذا السياق، يُشار إلى أن أهمية هذه الوثائق تكمن في إثراء العلاقات بين الدول بمشاريع اقتصادية كبيرة ذات مصلحة مشتركة.

 لذلك، ركز رئيس أوزبكستان في خطابه على القضايا الاقتصادية كأولوية، مؤكدًا أن تعميق التعاون الصناعي يُعد الاتجاه الرئيسي لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول. 

وجاءت هذه الكلمات كدعوة قوية لجميع الدول المشاركة لتوسيع الأجندة الاقتصادية.

كما شدد الرئيس على أهمية تشكيل فضاء لفرص اقتصادية جديدة، يتضمن خلق أفضل الظروف للتجارة والأعمال والاستثمارات المتبادلة، إلى جانب إطار قانوني وبنية تحتية.

 وأُكد على ضرورة إنشاء آليات مؤسسية قوية لتحقيق هذه الفكرة، حيث اقترح رئيس الدولة إنشاء مجلس دائم للدول التركية للشراكة الاقتصادية برئاسة نواب رؤساء الوزراء، بالإضافة إلى مقترحات مثل إنشاء تحالف صناعي وتكوين اتحاد لـ"التحول الأخضر".

ومن الجوانب الاقتصادية الأخرى التي ركز عليها رئيس أوزبكستان قطاع النقل، حيث أكد أهمية مشاركة أوزبكستان في "الممر الوسيط" الذي تنفذه الدول الأعضاء في المنظمة، وسلط الضوء على مشاريع يمكن أن تكمل هذا الممر. 

ووفقًا للرئيس، إذا تم ربط الممر الوسيط مع سكة حديد الصين-قيرغيزستان-أوزبكستان قيد الإنشاء والممر عبر أفغانستان المستقبلي، سيتم إنشاء نظام طرق استراتيجي متعدد القطاعات في منطقتنا الشاسعة. 

كما أُكد على ضرورة تطبيق تعريفات عبور معقولة، وإدخال إجراءات جمركية رقمية، واتباع سياسة منسقة في تطوير ممرات العبور الدولية.

تشير هذه الأفكار إلى أن أوزبكستان تُعد أحد المبادرين الرئيسيين لتعزيز الأسس المادية للتعاون الاقتصادي، وهو ما يتماشى تمامًا مع المصالح الأساسية لبلادنا. 

فالتعاون ضمن إطار المنظمة يضمن الرفاه الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي لأوزبكستان، وذلك لعدة عوامل:أولاً، يتزايد دور الدول الأعضاء في نظام العلاقات الاقتصادية الخارجية لأوزبكستان.

 وفقًا لأحدث المؤشرات لعام 2024، اقتربت حصة تجارة بلادنا مع دول "العالم التركي" من 10 مليارات دولار، وهو ما يمثل 15% من إجمالي التجارة الخارجية لأوزبكستان. 

وهذا يعني أن مجموعة الدول الأعضاء والدول ذات الوضع المراقب تشكل ثالث أهم شريك تجاري لأوزبكستان بعد الصين وروسيا.

 علاوة على ذلك، تتميز المنطقة التركية بأولوياتها كشريك تجاري، حيث يتسم حجم الصادرات والواردات في التجارة مع المنظمة بالتوازن النسبي، مع تنوع هيكل التجارة وسيادة المنتجات ذات القيمة المضافة في صادرات أوزبكستان.

ثانيًا، لا تزال هناك فرص كبيرة للتعاون الاقتصادي بين أعضاء المنظمة لم تُستغل بالكامل.

 فالدول الأعضاء يمكنها إقامة تعاون صناعي في المجالات ذات الأولوية، مستفيدة من رأس المال البشري الكبير، والموارد الخام، والإمكانات الصناعية.

 يمكن أن تؤدي هذه العمليات إلى إنشاء علامة تجارية تركية مشتركة، مما يعزز التنافسية في الأسواق العالمية.

ثالثًا، أوزبكستان تُعد أحد المستفيدين الرئيسيين من ممرات النقل المنفذة ضمن إطار المنظمة. 

تعطي استراتيجية السياسة الاقتصادية الخارجية للبلاد أولوية لأهداف مثل الوصول إلى الموانئ البحرية وفتح أسواق جديدة. 

تحقيق هذه الأهداف يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق نمو اقتصادي مستدام ورفاهية اجتماعية واقتصادية للسكان.

لذلك، تدعم أوزبكستان بقوة تعزيز الروابط في النقل والاتصالات ضمن إطار المنظمة. 

ويتزايد دور الممر الوسيط في العلاقات التجارية الخارجية لأوزبكستان، حيث من المتوقع أن يصل حجم دوران البضائع عبر ميناء باكو إلى مليون طن في عام 2024، مما يجعل هذا المسار الأقصر والأكثر كفاءة لربط أوزبكستان بأسواق أذربيجان وتركيا وأوروبا.

في الختام، أصبحت منظمة الدول التركية بالنسبة لأوزبكستان ليس فقط منصة للحوار السياسي والثقافي، بل أيضًا صيغة هامة لتطوير تعاون موجه نحو تحقيق نتائج مع مجموعة من الدول التي تشترك في أهداف استراتيجية مماثلة.

 وفي هذا السياق، من المهم لأوزبكستان مواصلة تعزيز التعاون مع الدول التركية والمساهمة في الرخاء والتنمية المشتركة

.عزيزجون كريموف
باحث رئيسي في معهد الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
تحت رئاسة جمهورية أوزبكستان