في مدينة غزة.. أشلاء وصراخ ورعب

وكالة أنباء حضرموت

في السماء أصوات طائرات مسيّرة لا تتوقّف، وعلى الأرض أشلاء تتناثر تحت الركام، وما بين كل ذلك صراخ لا يهدأ ورعب لا ينضب.

هكذا يبدو المشهد في غزة، المدينة التي تحولت لكوم من الركام وتتصاعد منها أعمدة الدخان، في حيثيات تتكرر مع اشتداد القصف وبالتزامن مع إعلان إسرائيل توسيع عملياتها البرّية للسيطرة عليها.

وبحسب وكالة فرانس برس، لم يتبقَ من مبنى سكني في شمال المدينة سوى أكوام ضخمة من الركام بعد أن استُهدف بقصف ليلي، فيما يحاول شاب جاهدا إقحام رأسه ويده تحت بقايا حائط مهدّم في بحث يائس عن ناجين تحت الأنقاض.

«أشلاء»
قال أبو عبد زقّوت، مشيرا إلى أن عائلة عمه أبو كمال زقّوت كانت متواجدة في المبنى: "كان هناك نحو 50 شخصا في الداخل، بينهم نساء وأطفال. لا أعرف لماذا قصفوه. لماذا يقتلون أطفالا نائمين بسلام هكذا، ويمزّقون أجسادهم؟".

وأضاف "أخرجنا الأطفال أشلاء".

وكان المسعفون يتنقّلون بين تلال من الخرسانة والحديد والركام في كل مكان، بينما تحاول عائلة تحميل بعض الأمتعة في سيارة قريبة على طريق شبه غير صالح للاستخدام جراء تكدّس الأنقاض.

وقال محمد البردويل "أثناء الليل، قصفوا مربعا سكنيا كاملا... جميع الضحايا من الأطفال وكبار السن والنساء، وهم جميعا تحت الردم".

وذكر البردويل أنه تمّ إخراج عشر ضحايا من تحت الأنقاض، فيما يبقى كثيرون تحتها.

وذكر الدفاع المدني في قطاع غزة أن ما لا يقل عن 12 شخصا، بينهم أطفال، قُتلوا في القصف، بينما "عدد كبير من المدنيين" ما يزال مفقودا.

وردا على استفسار لوكالة فرانس برس، قال الجيش الإسرائيلي إنه سينظر في التقرير.

وتحول صعوبة الوصول إلى العديد من المناطق في قطاع غزة، بالإضافة إلى عدم السماح لصحفيين أجانب دخوله، دون تمكّن فرانس برس من التحقّق بشكل مستقل من الأرقام والتفاصيل التي يعلنها الدفاع المدني أو الجيش الإسرائيلي.

"صراخ تحت الركام" 
أعلنت إسرائيل الثلاثاء أنها بدأت المرحلة "الأساسية" في هجومها على مدينة غزة، وقالت إن قواتها وسّعت عملياتها البرية وتتقدّم نحو وسط المدينة.

واتهمت لجنة تحقيق دولية مستقلة مكلفة من الأمم المتحدة الثلاثاء إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة خلال الحرب التي بدأت عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وهي المرة الأولى التي تخلص فيها لجنة كهذه الى مثل هذا الاتهام.

وقدّرت الأمم المتحدة مؤخرا أن نحو مليون شخص يعيشون في مدينة غزة ومحيطها، وتطلب إسرائيل منذ أسابيع من سكان غزة إخلاءها، والتوجّه جنوبا.

وقدّر مسؤول عسكري إسرائيلي الثلاثاء أن أكثر من 350 ألف شخص نزحوا من المدينة قبل بدء العملية الليلة الماضية التي لقيت تنديدا من دول عدة.

وطالب مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بوقف "المذبحة" في غزة.

وقال إبراهيم البشيتي (35 عاما)، وهو من سكان حي الصبرة بمدينة غزة، لوكالة فرانس برس، إن الوضع "كارثي بالفعل".

وأضاف "صوت الطائرات لا يتوقف، طائرات صغيرة مسيّرة وطائرات حربية تحوم في السماء باستمرار. نحن خائفون للغاية، وكثير من الناس من حولنا نزحوا بالفعل. لا نعرف ماذا سيحدث لنا".

وأوضح البشيتي أن القصف الليلي العنيف كان قريبا جدا من منزله لدرجة أن ضغط الانفجار حطّم نوافذه وخلع الأبواب من مكانها.

وقال "سمعنا أصوات صراخ تحت الركام.. هذا المشهد المتكرّر يرعبنا ويخيفنا ويؤكد لنا أنه لا توجد إنسانية في هذا العالم".

وفي حي الشيخ رضوان في شمال المدينة، قالت ميساء أبو جامع (38 عاما) إن إطلاق النار من الآليات العسكرية، والطائرات المسيّرة، والمدافع لا يتوقف.

وأضافت أن انفجارا هائلا وقع ليلا أيقظ عائلتها من النوم، مشيرة إلى أن "أطفالي كانوا مرعوبين، يصرخون ويبكون خوفا".

10 آلاف طفل 
باليوم نفسه، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من أن أكثر من 10 آلاف طفل يحتاجون إلى العلاج من سوء التغذية الحاد في مدينة غزة حيث يشن الجيش الإسرائيلي هجوما بريا واسع النطاق.

وقالت المتحدثة باسم اليونيسف تيس إنغرام من منطقة المواصي في الجنوب، إن "التهجير القسري والجماعي للعائلات من مدينة غزة يشكل تهديدا قاتلا للفئات الأكثر ضعفا".

وفي مؤتمر صحفي للأمم المتحدة في جنيف، حذّرت من تفاقم سوء التغذية لدى الأطفال، وأضافت أن "26 ألف طفل في قطاع غزة بحاجة حاليا إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، منهم أكثر من 10 آلاف في مدينة غزة وحدها".

وأوضحت أنه خلال أغسطس/ آب الماضي، عانى أكثر من طفل من كل ثمانية أطفال خضعوا للفحص في قطاع غزة من سوء تغذية حاد "وهو أعلى مستوى يتم تسجيله على الإطلاق". وفي مدينة غزة، عانى طفل واحد من كل خمسة أطفال من سوء التغذية الحاد.

وأشارت إلى أن مراكز التغذية في مدينة غزة "أُجبرت على الإغلاق هذا الأسبوع بسبب أوامر الإخلاء وتكثيف العمليات العسكرية".