سلام أوكرانيا.. هل تتعمد أوروبا «تفخيخ» طريق المفاوضات؟
تُثير خطط نشر قوات أوروبية في أوكرانيا بعد الحرب تساؤلات حول ما إذا كان "تحالف الراغبين" الأوروبي يسعى حقًا إلى السلام.
فبعد اجتماع عقده "تحالف الراغبين" الأسبوع الماضي في باريس، يُفترض أن 26 دولة أوروبية وافقت على المساهمة بطريقة ما في قوة عسكرية تنتشر في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب، بحسب موقع ""ريسبونسيبل ستايت كرافت".
و"تحالف الراغبين"، هو تشكيل دولي أعلن عنه عقب قمة عقدت في العاصمة البريطانية لندن، في 2 مارس/ آذار الماضي، وجمعت قادة أوروبيين وممثلي منظمات دولية بهدف مناقشة آليات تعزيز السلام في أوكرانيا.
وفي حين أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة ألاسكا الشهر الماضي إلى ضرورة أمن أوكرانيا كجزء من أي تسوية تفاوضية، إلا أن المسؤولين الروس أكدوا أن الضمانات الأمنية لا يمكن أن تشمل نشر قوات أوروبية على الأرض.
وبعد اجتماع "تحالف الراغبين"، صعد بوتين لهجته معتبرا أن أي قوات سيتم نشرها ستكون أهدافًا مشروعة للجيش الروسي.
وما تقدم يطرح أسئلة حول سر إصرار القادة الأوروبيين على خطة نشر القوات التي سيعرضهم تنفيذها لخطر الحرب مع موسكو، وذلك وفقا للموقع الذي اعتبر أن الإجابة ستكون مقلقة.
ما وراء الإصرار
أحد الاحتمالات هو مصداقية التصريحات الروسية، ففي بداية الحرب عام 2022 وبعد تعرضه لهزائم عسكرية في خريف العام نفسه، أرسل بوتين إشارات نووية نجحت في ردع الغرب عن التدخل المباشر في القتال.
إلا أن الاعتقاد بأن الدول الغربية تستطيع تجاوز الخطوط الحمراء الروسية دون مواجهة رد نووي قد يكون أضعف من قوة ردع التهديدات اللاحقة.
احتمال آخر هو النهج المعياري الطويل الأمد للغرب تجاه قضايا الأمن في أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة، وهو ما عبر عنه قبل أيام الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روتّه حين أكد أن موسكو لا تملك حق النقض على سيادة أوكرانيا في قبول قوات أجنبية على أراضيها.
وتستشهد أوروبا في هذا السياق بمبدأ حق الدول في اختيار ترتيباتها الأمنية بحرية، وهو مبدأ ورد في "ميثاق باريس" الذي مثّل نهاية فعلية للحرب الباردة.
لكن مبادئ باريس لم تمنع روسيا من تولي زمام الأمور سواء مع اندلاع الحرب في 2022 أو في 2008 عندما اجتاحت جورجيا بعد أشهر قليلة من قمة الناتو في بوخارست التي دعت جورجيا وأوكرانيا للانضمام للحلف.
وفي الوقت نفسه فإن المدافعين عن "حق الاختيار" يتجاهلون مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة، الوارد أيضاً في ميثاق باريس، والذي يؤكد أنه لا ينبغي لأي دولة اتخاذ تدابير لتعزيز أمنها على حساب أمن دولة أخرى.
كما أنهم يُقلّلون من أهمية الحقيقة التي تقول إن انضمام أوكرانيا للناتو هو مسألة تُقررها الدول الأعضاء في الحلف، وليس كييف.
تفكير استراتيجي؟
بغض النظر عن هذه الاعتبارات، فالسؤال الآن يتمحور حول ماهية التفكير الاستراتيجي الكامن وراء النهج الأوروبي؟
فإن لم تكن خطط نشر قوات في أوكرانيا مجرد انطلاقة في المفاوضات مع روسيا، فإن الإصرار على وجود عسكري غربي بمجرد وقف إطلاق النار يُعطي موسكو كل الحوافز لمواصلة القتال لمنع حدوث مثل هذه النتيجة.
وبالتالي، فإن الإصرار المُستمر على تشكيل مثل هذه القوة في مواجهة الاعتراضات الروسية المُتكررة يُشير إلى أن الدعوات الأوروبية لوقف إطلاق النار ليست صادقة تمامًا.
والحقيقة أن القادة الأوروبيون لم يدعموا إنهاء الحرب قبل بدء الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذيث أقنع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بوقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يومًا.
ولم يترك ذلك لهم خيارًا سوى الانصياع في ظل اعتماد أوروبا الكبير على الولايات المتحدة في أمنها.
غرض تكتيكي
لكن دعوتهم لوقف إطلاق النار قد تخدم الآن الغرض التكتيكي المتمثل في تصوير موسكو على أنها العقبة الرئيسية أمام السلام وهو ما يعني أن الرغبة في السلام لا تنبع من قناعة راسخة لدى أوروبا بل من مصلحة ذاتية.
وقد يكون الهدف الحقيقي من الخطط المستمرة لتحالف الراغبين لنشر قوات في أوكرانيا بعد الحرب هو تقويض إمكانية التفاوض بنجاح على وقف القتال وهو ما يتماشى مع جوانب أخرى من النهج الأوروبي الحالي، مثل التهديد بمزيد من العقوبات ضد روسيا.
ولا ينبغي أن يكون هذا الاستنتاج مفاجئًا، فرغم أن أوكرانيا قد تخسر تدريجيًا في ساحة المعركة، إلا أن النخبة الأوروبية اليوم تعتقد إلى حد كبير أن "صفقةً سيئةً" لإنهاء الحرب ستكون أسوأ من استمرارها.
وربما يعتقد الأوروبيون أن كييف ستتمكن من الصمود طويلًا بما يكفي لمضاعفة الخسائر الروسية وانهيار الاقتصاد الروسي، أو ربما يخشون نتائج التراجع في موقفهم وصولا إلى تسوية سلمية مع موسكو.
وهناك احتمال أكثر تشاؤمًا، أنه حتى لو اخترقت روسيا الحدود الأوكرانية، فقد يعزز ذلك الوحدة الأوروبية ويدفع الرأي العام الداخلي إلى الموافقة على زيادة الإنفاق الدفاعي وأن موسكو لن تتمكن من حكم أوكرانيا المضطربة على أي حال.
خسائر
لكن قادة أوروبا يتعين عليهم التفكير جيدا قبل التمسك بهذا المنطق الذي قد يؤدي إلى خسائر كبيرة.
فمثلا مذكرة التفاهم التي تم الإعلان عنها مؤخرًا بشأن خط أنابيب "قوة سيبيريا 2"، والتي ستعزز في حال تنفيذها، توجه روسيا نحو الصين على المدى الطويل من خلال شحن الغاز من غرب سيبيريا، كان من الممكن أن تستفيد منها الأسواق الأوروبية لولا الحرب.
وإلى جانب مخاطر التصعيد العسكري، فإن حربًا مطولة، وما يصاحبها من تمزق في العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوروبا، قد تُسفر عن عواقب استراتيجية لم تُحسم بعد، ومن الأفضل تجنّبها.
وأخيرا فإن استمرار الحرب سيجعل روسيا خصمًا للغرب الجماعي بالمستقبل القريب، في حين أن النجاح في عالم متعدد الأقطاب يتطلب خلق مساحة استراتيجية للتواصل مع جميع القوى العظمى.