الصين توسع نفوذها الاقتصادي في أفريقيا.. فائض تجاري قياسي يهدد موازين القوى
سجلت الصين فائضا تجاريا قدره 60 مليار دولار مع أفريقيا خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، وهو رقم يكاد يتجاوز إجمالي الفائض المحقق خلال العام الماضي بأكمله، وفقًا لبيانات حكومية صينية صدرت مؤخرا.
ويأتي هذا التوسع في العلاقات التجارية بين بكين والقارة الأفريقية في ظل تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وتباطؤ الاقتصاد الصيني الداخلي.
ووفقًا لتقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز، فإنه حتى نهاية أغسطس/آب بلغت صادرات الصين إلى إفريقيا 141 مليار دولار، بينما لم تتجاوز وارداتها من القارة 81 مليار دولار. ويُعزى اتساع الفجوة التجارية إلى الارتفاع الحاد في صادرات الصين من البطاريات والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية والمعدات الصناعية إلى الأسواق الأفريقية.
الصين تواجه أسرع تراجع في أسعار السلع منذ 6 أشهر.. مخاوف من انكماش يهدد النمو
وتشير هذه القفزة إلى مرونة الشركات الصينية في إيجاد أسواق بديلة وسط القيود الأمريكية، إذ انخفضت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 33% في أغسطس/آب، بينما ارتفعت بنسبة 26% إلى أفريقيا، ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في وجهة التجارة الصينية.
وفي العاصمة الأوغندية كمبالا، تظهر ملامح هذا التحول بوضوح. ففي حي مزدحم بمحال الإلكترونيات، تكاد الألواح الشمسية الصينية تغطي واجهات جميع المتاجر.
يقول التاجر موييني جوزيف (38 عامًا): "أبحث فقط عن الطاقة الشمسية الأرخص لأتمكن من المنافسة، وهذا ما توفره لنا الصين". وأكد أن 99% من المنتجات التي يعرضها مصدرها الصين، من المصابيح إلى المولدات الكهربائية.
وتعزز الصين حضورها الاقتصادي في أفريقيا من خلال استثمارات البنية التحتية الهائلة ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، حيث شيدت طرقا وجسورا وسككا حديدية وموانئ في أنحاء القارة. هذه المشاريع فتحت الباب أمام الشركات الصينية للاستثمار المباشر وساعدت في الوصول إلى المواد الخام الحيوية.
في المقابل، عمدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقليص المساعدات الخارجية الموجهة لأفريقيا، ما أدى إلى تجميد عدد من البرامج الصحية والتنموية. كما فرضت واشنطن تعريفات جمركية جديدة على العديد من الدول الإفريقية، بينها رسوم بنسبة 30% على الواردات من جنوب إفريقيا.
وفي حالة لافتة، اضطرت مملكة ليسوتو إلى إعلان "كارثة وطنية" بعد أن هددتها الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على صادراتها، قبل أن تُخفض النسبة إلى 15%، وهو ما يزال يشكل تهديدًا لاقتصادها القائم على صناعة النسيج.
وفي الوقت نفسه، سارعت بكين إلى استغلال هذا الفراغ. ففي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت الصين إعفاء 53 دولة أفريقية من معظم الرسوم الجمركية، في خطوة وصفتها وسائل الإعلام الصينية بأنها "دليل على التزام الصين ببناء شراكة رابحة مع إفريقيا".
ويُعد قطاع الطاقة الشمسية نموذجًا واضحًا لما تصفه بكين بـ"الزواج الاقتصادي المريح". فبينما تعاني الشركات الصينية من تخمة الإنتاج وتراجع الأرباح نتيجة المنافسة الحادة، استفادت أفريقيا من انخفاض الأسعار لسد فجوة الطاقة المزمنة.
وبحسب منظمة "إيمبر" المتخصصة في تتبع الطاقة، ارتفعت واردات الألواح الشمسية الصينية إلى أفريقيا بنسبة 60% خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، وسجلت 20 دولة أفريقية أرقامًا قياسية في الاستيراد.
ففي أوغندا، أنشأت أكثر من ثماني شركات صينية فروع توزيع في العاصمة كمبالا، ما مكّن التجار من الحصول على المنتجات بسرعة دون الحاجة إلى استيرادها مباشرة من الصين.
ويقول والتر كوكو، المدير التنفيذي لشركة "ووتر ووركس" المختصة بتركيب أنظمة المياه والطاقة الشمسية: "الشركات الصينية تتوسع بسرعة، فيما تغيب الشركات الأوروبية عن السوق الإفريقية. سيفاجأون عندما يكتشفون أن الصين قد سبقتهم بالفعل".
وأشار كوكو إلى أن المنافسة بين الشركات الصينية أدت إلى انخفاض أسعار الألواح الشمسية بنسبة تصل إلى 40% خلال عام واحد.
ولم تقتصر الطفرة الصينية في إفريقيا على الطاقة. فقد ارتفعت صادرات الصين من الفولاذ إلى القارة بنسبة 30% في الأشهر الخمسة الأولى من 2025، وسجلت صادرات المعدات الزراعية والإنشائية والسفن ارتفاعات تجاوزت 40%. أما صادرات المحركات والمولدات الكهربائية فزادت بأكثر من 50%.
وفي مجال السلع الاستهلاكية، ارتفعت صادرات السيارات الصينية بنسبة 67%، وتضاعفت الشحنات في شهر مايو/أيار وحده. كما تهيمن الشركات الصينية على سوق الهواتف الذكية في أفريقيا، إذ تحتل أربع شركات صينية قائمة أكبر خمس علامات تجارية في القارة، بقيادة هواوي وشاومي.
ورغم الترحيب النسبي من قبل بعض الحكومات الأفريقية، إلا أن هناك مخاوف متزايدة بشأن اختلال التوازن في العلاقات مع الصين. ويرى محللون أن تدفق السلع الصينية قد يعرقل خطط القارة لبناء صناعات محلية تنافسية.
يقول ديفيد أوموجومولو، الاقتصادي المتخصص في شؤون أفريقيا لدى مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس": "تشعر الدول الأفريقية أنها مضطرة للبقاء في جانب الصين رغم المخاوف، إذ تخشى فقدان الاستثمارات والدعم في حال حاولت إعادة التوازن في العلاقة".
وبينما تستعد الصين لمزيد من الانفتاح التجاري مع أفريقيا، تبدو الولايات المتحدة وكأنها تغلق الأبواب. وفي ظل التحولات الجيوسياسية الجارية، تبدو أفريقيا ساحة المعركة المقبلة للنفوذ الاقتصادي بين الشرق والغرب - مع تفوق واضح لبكين في الوقت الحالي.