سوريا الجديدة ترسم ملامح البرلمان ما بعد الأسد

وكالة أنباء حضرموت

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، مرسوما بالتصديق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب (البرلمان) لاختيار ثلثي أعضائه، وذلك في خطوة نحو إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المجلس التشريعي.

تتجه سوريا نحو مرحلة سياسية جديدة مع إصدار الرئيس أحمد الشرع مرسوما بالتصديق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب(البرلمان) لاختيار ثلثي أعضائه، في خطوة مفصلية نحو إعادة هيكلة مؤسسات الدولة.

ويأتي هذا القرار بعد تحول جذري أنهى أكثر من ستة عقود من حكم حزب البعث وسيطرة عائلة الأسد، ليفتح الباب أمام تأسيس مجلس تشريعي يختلف جذريًا عن سابقيه.

وحدد المرسوم الذي صادق عليه الشرع، مساء الأربعاء، الشروط المتعلقة بالعملية الانتخابية، واللازم توفرها بأعضاء مجلس الشعب، واللجان المرتبطة بها، وشروط العضوية في الهيئة الناخبة ولجان الانتخابات، بحسب الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا".

ووفق المرسوم، يبلغ المجموع الكلي لأعضاء مجلس الشعب 210 أعضاء، يتم اختيار ثلثيهم من قبل الهيئات الناخبة التي تشكل في دوائر انتخابية على مستوى المحافظات، بحسب التوزيع السكاني والإداري، بينما يعيّن رئيس البلاد الثلث المتبقي.

وينص المرسوم رقم (143) لعام 2025، على أن تتوزع مقاعد المحافظة بحسب التوزيع السكاني فيها، بحيث يكون للدائرة الانتخابية مقعد واحد، أو أكثر.

وفي أواخر يوليو الماضي، تسلّم الشرع، النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت الخاص بمجلس الشعب.

من جانبه، أعلن رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب محمد الأحمد، الأربعاء، تقسيم الدوائر الانتخابية في البلاد إلى 62 دائرة.

وقال الأحمد، إنه "تم تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 62 دائرة ستجري فيها عملية الترشح والانتخاب".

ولفت إلى أن اللجنة "ستباشر من الخميس بالإجراءات العملية، وتستقبل مقترحات عضوية الهيئات الناخبة في الدوائر التي تم تقسيمها حتى الوصول لعملية الانتخاب والفرز وإصدار النتائج".

وكان الأحمد قد أعلن الشهر الماضي أن من المتوقع إجراء انتخابات مجلس الشعب خلال الفترة بين 15 و20 سبتمبر المقبل.

ويحدد النظام الجديد في دمشق مجموعة من الشروط الصارمة لعضوية الهيئة الناخبة، والتي تعكس التغيرات السياسية الجذرية في البلاد.

وتشمل هذه الشروط أن يكون المرشح سوري الجنسية قبل 1 مايو 2011، وألا يكون قد ترشح للانتخابات الرئاسية بعد هذا التاريخ. كما تمنع الشروط الأشخاص الذين كانوا أعضاء سابقين في مجلس الشعب أو مرشحين له بعد عام 2011، إلا إذا أثبتوا "انشقاقهم" عن النظام السابق.

والأهم من ذلك، أن المرسوم يستثني بشكل صريح أي شخص من "داعمي النظام السابق و'التنظيمات الإرهابية' بأي شكل من الأشكال"، إضافة إلى "دعاة الانفصال والتقسيم أو الاستقواء بالخارج"، في إشارة واضحة إلى فئة الدروز الذين تظاهروا السبت الماضي مطالبين بحق "تقرير المصير"، رافعين أعلام إسرائيل.

ويضع المرسوم أيضًا معايير دقيقة لاختيار أعضاء الهيئات الناخبة، مقسما إياهم إلى فئتين: "الكفاءات" و"الأعيان". وتشترط فئة "الكفاءات" أن يكون العضو حاصلًا على شهادة جامعية أو ما يعادلها، بينما تتطلب فئة "الأعيان" الحصول على الشهادة الثانوية، مع تعريفهم بأنهم شخصيات ذات تأثير اجتماعي ونشاط مجتمعي بارز.

ويراعى في تشكيل الهيئة الناخبة أن تكون نسبة "الكفاءات" 70 بالمئة مقابل 30 بالمئة لـ"الأعيان"، مع التأكيد على ضرورة التنوع المجتمعي والتوزع السكاني وتمثيل المهجرين داخليًا وخارجيًا. ولضمان مشاركة المرأة، حدد المرسوم نسبة تمثيل لا تقل عن 20 بالمئة من عموم الهيئات الناخبة.

ويُحصَر الترشح لعضوية مجلس الشعب بأعضاء الهيئات الناخبة المعتمدة في القوائم النهائية، مع التزام المرشح بعدم الجمع بين عضوية المجلس وأي وظيفة عامة أخرى، باستثناء أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات. كما يُفتح باب الطعون على القوائم الأولية للهيئة الناخبة خلال ثلاثة أيام من تاريخ إعلانها، مما يمنح فرصة للمراجعة والتدقيق.

وعلى الرغم من أن النظام الانتخابي الجديد يهدف إلى بناء مؤسسات دولة مختلفة تماما عن سابقاتها، إلا أن هناك تحديات ومخاوف تلوح في الأفق. فالتأكيدات على ضرورة "الانشقاق" عن النظام السابق، وإقصاء "دعاة الانفصال والاستقواء بالخارج" يمكن أن يثير جدلا حول مدى شمولية هذه العملية الانتخابية.

فبينما يرى البعض في هذه الشروط ضمانة لعدم عودة رموز النظام السابق أو من يعتبرون تهديدا لوحدة البلاد، يرى آخرون أنها قد تكون أداة لإقصاء أصوات معارضة معتدلة أو فئات معينة من المجتمع، مما قد يحد من التمثيل الحقيقي لمختلف شرائح الشعب السوري.

ويمثل المرسوم الرئاسي خطوة أولى ومهمة في مسيرة التغيير السياسي في سوريا، حيث يضع أسسا قانونية لمؤسسة برلمانية جديدة تختلف جذريا عن سابقتها.

ويسعى النظام الجديد إلى تحقيق توازن بين الكفاءة والتمثيل الاجتماعي، مع الحرص على تمثيل المرأة والمهجرين، وإبعاد من تعتبرهم الإدارة الجديدة خطرا على استقرار البلاد.

ويأتي هذا التحول بعد عقود من الحكم الشمولي، مما يجعل كل خطوة نحو بناء مؤسسات ديمقراطية خطوة حساسة ومحفوفة بالمخاطر.

ويضع هذا النظام الانتخابي تحديا كبيرا أمام مستقبل سوريا، حيث سيتضح مع الأيام القادمة ما إذا كان سينجح في تحقيق تمثيل حقيقي لتطلعات الشعب، أو سيواجه عقبات تعيق مسيرته نحو الاستقرار.