الشرع يسقط خيار الدم والقوة العسكرية في معركة توحيد سوريا
رسم خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع ملامح استراتيجية جديدة لمرحلة ما بعد الحرب، حيث تستلزم هذه الفترة نهجا مختلفا عن سنوات الصراع، يقوم على التفاهم السياسي وإعادة الإعمار الاقتصادي، بدلا من خيار الدم والقوة العسكرية لتوحيد البلاد.
ويحمل الخطاب أهمية كبرى، لا لأنه يمثل تحولا في الخطاب الرسمي فحسب، بل لأنه يربط بشكل مباشر بين التحديات السياسية في الجنوب والشمال، والمأزق الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد، مقدما رؤية متكاملة للتعامل مع هذه الملفات الشائكة.
وقال الشرع خلال جلسة حوارية مع عدد من وجهاء محافظة إدلب في حضور وزراء وسياسيين بثها التلفزيون الرسمي ليل السبت/الأحد "أسقطنا النظام في معركة تحرير سوريا ولا يزال أمامنا معركة أخرى لتوحيد سوريا، ويجب ألا تكون بالدماء والقوة عسكرية" مؤكدا إيجاد آلية للتفاهم بعد سنوات منهكة من الحرب.
وهذا التصريح الذي يعد نقطة انطلاق هامة نحو إطار جديد للتعامل مع الأزمة السورية، فهو يكسر التابوهات القديمة ويفتح باب الحوار، تمكن أهميته في كونه يأتي في وقت حساس تشهده البلاد، حيث تتصاعد التوترات في الجنوب، وتتعثر المفاوضات مع الإدارة الكردية في الشمال، بينما تتواصل التحديات الاقتصادية الخانقة التي تفرض واقعا صعبا على المدنيين.
وجاءت الجلسة عقب تظاهرة تجمع فيها المئات وسط السويداء في جنوب سوريا صباح السبت تحت شعار "حق تقرير المصير" وتنديدا بأعمال العنف الدامية التي شهدتها المحافظة الشهر الماضي والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 شخص، رفعت فيها الأعلام الإسرائيلية.
وأثارت هذه المظاهرة قلقا حول مخاطر التقسيم، لكن الشرع أوضح "لا أرى أن سوريا فيها مخاطر تقسيم (...) هذا الأمر مستحيل".
واعتبر أن "بعض الأطراف يحاول أن يستقوي بقوة إقليمية، إسرائيل أو غيرها، هذا أمر صعب للغاية ولا يمكن تطبيقه" في إشارة إلى مطالب بعض الدروز في السويداء بالتدخل الإسرائيلي.
ورفع متظاهرون تجمعوا في ساحة الكرامة وسط السويداء صباح السبت الأعلام الدرزية وبعض الأعلام الإسرائيلية وصورا لشيخ العقل حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل الثلاثة البارزين في سوريا، مردّدين هتافات مناهضة للسلطات في دمشق، وحمل بعضهم لافتات كتب على إحداها "حق تقرير المصير، حق مقدّس للسويداء".
وتابع الشرع "إسرائيل تتدخل في السويداء بشكل مباشر، وتحاول أن تنفذ السياسات منها لإضعاف الدولة بشكل عام أو محاولة اختلاق حجة للتدخل في السياسات القائمة في المنطقة الجنوبية".
وشهدت السويداء بدءا من 13 يوليو ولأسبوع اشتباكات بين مسلحين دروز ومقاتلين بدو، قبل أن تتحول إلى مواجهات دامية مع تدخل القوات الحكومية ثم مسلحين من العشائر.
وأسفرت أعمال العنف عن مقتل أكثر من 1600 شخص، بينهم عدد كبير من المدنيين الدروز، وفق آخر حصيلة وثقها المرصد السوري لحقوق الانسان. وتخللتها انتهاكات وعمليات إعدام ميدانية طالت الأقلية الدرزية.
وشنّت اسرائيل خلال أعمال العنف ضربات قرب القصر الرئاسي وعلى مقر هيئة الأركان العامة في دمشق، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية.
وأقرّ الشرع في كلمته بحدوث "تجاوزات من كل الأطراف" في السويداء، وقال "بعض أفراد الأمن والجيش في سوريا أيضا قام ببعض التجاوزات" مؤكدا إدانتها ومشددا على أن "الدولة ملزمة في محاسبة كل من قام بهذه الانتهاكات من كل أطراف مجتمعة".
ويعكس تصريح الشرع اعترافا ضمني بوجود أخطاء من قبل القوات الحكومية ومحاولة لتقديم صورة مغايرة عن نهج النظام السابق.
ولم تقتصر تصريحات الشرع على الجنوب، بل تطرّقت أيضا إلى محادثات السلطات السورية مع الإدارة الكردية التي تدير مساحات واسعة من شمال شرق البلاد
وأكد الشرع أن "الاتفاق سوف يحصل" وأن المناقشات تدور الآن حول آليات تطبيقه.
وتعطل تنفيذ اتفاق ثنائي وقعه الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في 10 مارس برعاية أميركية بسبب خلافات بين الطرفين، حيث تصر قوات سوريا الديمقراطية أن يكون الاندماج ككتلة عسكرية واحدة داخل وزارة الدفاع، فيما تتمسك دمشق ومن خلفها أنقرة بأن يكون الاندماج فرادى.
وذكرت مصادر من الجانبين الثلاثاء أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني التقى الاثنين مسؤولا رفيع المستوى في الإدارة الكردية في دمشق، بعد أيام من مقاطعة الحكومة لمحادثات كانت مقررة في فرنسا.
وقال الشرع "قسد يعبرون عن استعدادهم لتطبيق هذا الاتفاق ولديهم بعض التفاصيل، وأحيانا تبدر منهم على الأرض إشارات معاكسة لما يقولونه في المفاوضات والإعلام".
وأوضح أن "هناك قواعد عامة رسخت في سوريا ونالت مباركة جميع الدول الإقليمية والكبرى، تتمثل في وحدة الأراضي السورية وحصر السلاح بيد الدولة، وهذه البنود متفق عليها محلياً وإقليمياً ودولياً، وغير قابلة للمساومة".
وفي الجزء الاقتصادي من كلمته، أقر الشرع بوجود تحديات كبيرة، موضحا أن "تحسينات البنية التحتية في المناطق المتضررة غير كافية وبطيئة". وعزا ذلك إلى ضغوطات متعددة، منها العقوبات الاقتصادية، وتآكل إيرادات الدولة، وصفرية البنك المركزي عند توليهم الحكم، والترهلات الإدارية، وتذبذب سعر الصرف، وتراجع الإنتاج الزراعي.
ولمواجهة هذه التحديات المالية، أعلن عن قرب الإعلان عن "صندوق التنمية" لجمع التبرعات من السوريين والمغتربين، مؤكداً الاعتمادَ على الموارد السورية لتجنب القروض الطويلة التي قد تقيد القرار السياسي.
كما كشف عن فتح الباب "للاستثمارات الأجنبية"، والتي بلغت قيمتها المباشرة خلال الأشهر السبعة الماضية 28.5 مليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى 80-100 مليار دولار بنهاية العام. سيوفر هذا الاستثمار فرص عمل ويعيد بناء البنى التحتية، وسيركز الصندوق على إعادة بناء المناطق المدمرة ودعم الزراعة والصناعات المتعثرة.