حكومة نتنياهو على حافة الانهيار بانفراط ائتلافها
انسحب أحد الأحزاب اليهودية الأكثر تشددا في إسرائيل من ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في إطار نزاع مستمر منذ فترة طويلة بشأن مشروع قانون جديد للتجنيد العسكري.
وتجعل الخطوة التي اتخذها الأعضاء الستة في حزب يهدوت هتوراه (التوراة اليهودي المتحد) الأرثوذكسي المتشدد حكومة نتنياهو القومية الدينية في وضع ضعيف للغاية، إذ أن أغلبيتها في الكنيست أصبحت تتوقف على مقعد واحد فقط، مما يثير تساؤلات حول استمرارية الحكومة ومستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي.
ولم تزل حكومة نتنياهو قائمة، لكن شبح الانهيار يلوح في الأفق، إذ أن حزب يهدوت هتوراه متحالف مع حزب آخر من الأحزاب الدينة المتزمتة في الائتلاف وهو حزب شاس الذي يحافظ منذ فترة طويلة على تحالفه مع يهدوت هتوراه. وإذا انسحب شاس هو الآخر، فسيخسر نتنياهو أغلبيته في البرلمان وسيكون من الصعب على الحكومة الاستمرار في أداء عملها.
ولن يدخل انسحاب حزب يهدوت هتوراه من الائتلاف حيز التنفيذ إلا بعد 48 ساعة من تقديم استقالات وزرائه، مما يمنح رئيس الوزراء فسحة من الوقت للبحث عن مخرج من هذه الأزمة السياسية الطارئة.
وحتى إذا أخفق في إيجاد حل فوري، فإن بدء البرلمان عطلته الصيفية في نهاية يوليو سيوفر لنتنياهو حوالي ثلاثة أشهر إضافية لمحاولة حل الأزمة، وهي فترة كافية قد تشهد الكثير من التطورات، خاصة وأن نتنياهو قد أظهر على مر السنين مهارات استثنائية في تجاوز عقبات اكتنفت مسيرته السياسية على مر السنين.
وقلّما تُكمل الحكومات الإسرائيلية ولايتها الكاملة التي من المفترض أن تستمر أربع سنوات، فالنظام السياسي هناك يندر فيه فوز أي حزب منفردا بأغلبية مطلقة في أي انتخابات، مما يجعل تشكيل الحكومات عبر ائتلافات حزبية أمرا حتميا ودائمًا.
ويضطر رؤساء الوزراء في كثير من الأحيان للتعامل مع مطالب طائفية وصراعات أيديولوجية داخل ائتلافاتهم. وإذا ما وجدت الانقسامات طريقا للحكومة، فيمكن أن تنهار الائتلافات بسرعة وتسقط الحكومات.
وربما تكون هناك انتخابات مبكرة، لكن الأمر قد يتطلب بضعة أشهر. وهناك عدد قليل من المسارات السياسية التي يمكن سلوكها حتى ينتهي الأمر بتقديم موعد الانتخابات، من بينها تصويت البرلمان على حل نفسه وإخفاق الحكومة في إقرار الموازنة السنوية. وفي جميع الأحوال، لن تجرى الانتخابات على الفور. ويتوقع بعض المحللين السياسيين تقديم موعد الانتخابات من نهاية عام 2026 إلى مطلع العام المقبل.
وتُعدّ الانتخابات البرلمانية، التي تحدد من يحكم إسرائيل، مفتاحا لمستقبلها السياسي، حيث يتألف الكنيست من 120 مقعدًا تُملأ بنظام التمثيل النسبي لقوائم الأحزاب الوطنية، ويتوجب على أي حزب تجاوز عتبة 3.25 في المئة من الأصوات لدخول البرلمان، ورغم أن إسرائيل شهدت خمسة انتخابات وطنية منذ 2019، كان آخرها في نوفمبر 2022 حيث حقق نتنياهو نتائج حاسمة، فإن استطلاعات الرأي المتتالية تُشير إلى أن ائتلافه سيخسر الانتخابات لو أُجريت اليوم، مما يعكس تحولًا محتملًا في مزاج الناخبين.
ورغم تأرجح ائتلاف نتنياهو خلال فترة العامين ونصف العام الماضية، فإن التحولات السياسية تعني أن العثور على بدائل لحزب يهدوت هتوراه للانضمام إلى حكومته التي تتكون من أحزاب يمينية ودينية يهودية سيكون صعبا للغاية.
وتضم المعارضة أحزابًا منتمية للوسط واليسار واليمين، فضلًا عن ليبراليين ومحافظين، وتتكون تركيبة الائتلاف الحالي من 61 مقعدًا من أصل 120 في الكنيست، تتوزع بين حزب الليكود (32 مقعدًا)، وحزب شاس الديني المتشدد (11 مقعدًا)، وحزب الصهيونية الدينية (7 مقاعد)، وحزب القوة اليهودية (6 مقاعد)، وحزب أمل جديد-اليمين الوطني (4 مقاعد)، وحزب نعوم (مقعد واحد).
ويبقى الأمر غير واضح بشأن تأثير الاضطراب السياسي على الحرب في غزة، وتتواصل في قطر محادثات لوقف إطلاق النار بدعم أميركي. ويزداد قلق الإسرائيليين إزاء الحرب ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، وتظهر استطلاعات الرأي دعما شعبيا لإنهاء هذه الحرب باتفاق يعيد الرهائن المتبقين لدى الحركة. ولا يزال نتنياهو يتمتع بدعم كاف داخل حكومته لضمان وقف إطلاق النار. إلا أنه من غير المرجح أن يدعم حزبا القوة اليهودية والصهيونية الدينية إنهاء الحرب بشكل نهائي في أي وقت قريب.
ويريد وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن تواصل إسرائيل الحرب، لكن من المرجح أن يحصل نتنياهو على أصوات كافية في مجلس الوزراء لضمان وقف إطلاق النار بدونهما.
وقال توباز لوك، وهو أحد المساعدين المقربين من نتنياهو لإذاعة الجيش اليوم الثلاثاء "بمجرد أن يكون الاتفاق الصحيح على الطاولة، سيكون رئيس الوزراء قادرا على تمريره".
ويتزايد سأم الإسرائيليين من الحرب المستمرة منذ 21 شهرا في غزة، والتي بدأت بهجوم مباغت شنته حماس في السابع من أكتوبر 2023، والذي أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة وفقا للإحصاءات الإسرائيلية.
وأدى الهجوم الإسرائيلي اللاحق على حماس منذ ذلك الحين إلى مقتل أكثر من 58 ألف فلسطيني وفقا لمسؤولي الصحة في قطاع غزة، ونزوح جميع سكان القطاع تقريبا، كما أدى إلى أزمة إنسانية ودمر معظم أنحاء القطاع.
وشهد الصراع أيضا سقوط أكبر عدد من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ عقود، إذ قُتل حوالي 450 جنديا حتى الآن في معارك غزة. وزاد ذلك من حدة الجدل المتزايد بشأن مشروع قانون التجنيد الجديد في قلب الأزمة السياسية التي يواجهها نتنياهو.
ولطالما تم إعفاء اليهود المتزمتين دينيا من الخدمة العسكرية الإلزامية. ويشعر الكثير من الإسرائيليين بالغضب بسبب ما يرون أنه عبء غير منصف يتحمله من يؤدون الخدمة.
ويقول قادة اليهود المتزمتين إن التفرغ لدراسة الكتب الدينية مقدس ويخشون أن يبتعد شبابهم عن الحياة الدينية إذا ما تم تجنيدهم في الجيش.
وفي العام الماضي، أمرت المحكمة العليا بإنهاء هذا الإعفاء. ويحاول البرلمان العمل على صياغة مشروع قانون جديد للتجنيد الإجباري، والذي فشل حتى الآن في تلبية مطالب حزب يهدوت هتوراه.