الأردن يكشف الخيوط الخفية لتمويل جماعة الإخوان المحظورة
كشفت التحقيقات التي أجرتها السلطات الأردنية المختصة، اليوم الثلاثاء، عن نشاط مالي "غير قانوني" ضلعت به جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة طوال الأعوام الماضية داخليا وخارجيا، والذي تزايدت وتيرته خلال السنوات الثماني الأخيرة.
وهذا الكشف يلقي الضوء على حجم الأنشطة المالية السرية للجماعة، وتأثيرها على الأمن الوطني، ويأتي في سياق تشديد الحكومة الأردنية على مكافحة أي نشاطات تهدد استقرار المملكة.
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء الأردنية، فقد أدارت الجماعة شبكة مالية ضخمة ومعقدة كانت تتأتى مواردها من مصادر عدة أبرزها، جمع التبرعات التي كانت تقوم بها جمعيات تنشط في هذا المجال بشكل غير قانوني، ومن عوائد استثمارات أقيمت بشكل مباشر وبالباطن داخل المملكة وخارجها، بالإضافة إلى الاشتراكات الشهرية من داخل الأردن وخارجه.
وأثبتت التحقيقات والمضبوطات، التي أطلعت على مضمونها الوكالة، أن جماعة الإخوان حازت وتحت عناوين مختلفة على عشرات الملايين من الدنانير، والتي استثمرت جزء منها في شراء شقق خارج الأردن، كما استُخدمت لأغراض غير مشروعة قانوناً، ومنها ما سُجل بأسماء أفراد ينتمون للجماعة عن طريق ملكيات مباشرة أو أسهم في بعض الشركات.
وأظهرت التحقيقات – حتى الآن - جمع ما يزيد على 30 مليون دينار في السنوات الأخيرة، إذ كانت الجماعة المحظورة ترسل المبالغ التي تقوم بجمعها إلى دول عربية وإقليمية ودول خارج الإقليم. فيما استخدم جزء من تلك الأموال لحملات سياسية داخلية عام 2024، فضلا عن تمويل الجماعة لأنشطة وخلايا تم ضبطها وأحيلت للقضاء.
وضبطت الأجهزة المختصة نحو 4 ملايين دينار في يوم إعلان الحكومة عن المخطط الذي كان يستهدف الأمن الوطني منتصف أبريل الماضي، بعد أن حاول أشخاص إخفاءها داخل منازل ومستودع شمالي العاصمة عمان بطلب من سائق يعمل لدى قيادي بالجماعة المحظورة. وقد أوقفت السلطات المختصة على إثر التحقيقات والبينات والأدلة 11 شخصًا، واستدعت آخرين ممن لهم صلة بملف القضية ورُبط عدم توقيفهم بكفالة مالية.
وأشارت الوكالة الأردنية إلى أن جماعة الإخوان المحظورة استغلت الأحداث في غزة لجمع التبرعات بطرق مخالفة للقانون وسط غياب لآلية معلنة وشفافة لعملية جمع الأموال، التي لم يعرف ولم يعلن عن مصيرها، ومن دون الإفصاح عن مصادر تلك الأموال وحجمها وكيفية إيصالها للأهالي في القطاع، ومن دون الإعلان عن أي تنسيق مع أي منظمة دولية أو إغاثية لنقل تلك الأموال إلى أهالي غزة.
وبحسب التحقيقات، فقد اعتمدت الجماعة على وسيلتين في جمع التبرعات، إحداها سرية وتتمثل بجمع التبرعات عن طريق بعض الجمعيات وشُعب الإخوان المحظورة (وعددها 44 شعبة) والتي كانت تنشط بصورة غير مشروعة مستغلةً مقرات تابعة لحزب سياسي.
والوسيلة الثانية علنية، إذ كانت تُرسل للهيئة الأردنية الخيرية الهاشمية ما تجمعه من مواد عينية عبر أذرعها وبعض الجمعيات التي تدار من قبل أشخاص منتمين لها، وبلغ مجموع الأموال التي أرسلت إلى الهيئة من خلال هذه القنوات نحو 413 ألف دينار فقط (أي نحو1 في المئة فقط من مجموع التبرعات التي كشفت عنها التحقيقات والتي لا تزال مستمرة).
وأحاطت جماعة الإخوان المحظورة عملية جمع الأموال - المُتبرَع بها وإرسالها للخارج - بسرية بالغة وفق آلية وُزعت فيها الأدوار على مسؤولين داخل الجماعة وفرد يقيم بعمان مرتبط بتنظيم خارجي.
ونشأت نتيجة هذا النشاط دورة مالية غير قانونية ذات سرية عالية، اعتمدت على أساليب مالية مشبوهة، ولم يُعلن عن مجموع التبرعات التي كانت تنقل وتسلم باليد وتخبئ في البيوت والمستودعات.
وبينت التحقيقات أن الأموال كانت تحوّل من الدينار إلى الدولار قبل إيداعها بمحل صرافة بالعاصمة عمان، والذي اتخذت بحقه الإجراءات القانونية إذ كان يحول الأموال بطرق غير قانونية إلى محل صرافة بالخارج، وفي بعض الأحيان كانت الأموال تنقل عن طريق شحنها جواً إلى الخارج، وأحياناً كان يتم تهريب الأموال إلى الخارج عن طريق أحد أفراد الجماعة المحظورة الذي كان يتردد إلى إحدى الدول.
وكانت الجماعة المحظورة تستخدم أحد أكثر الأحياء في عمان اكتظاظاً بالسكان لجمع التبرعات لإحاطة عملها بحماية مجتمعية ولتشكيل غطاء للتستر على نشاطها.
وحتى اللحظة، أظهرت التحقيقات مصادر التمويل الثابتة لدى الجماعة التي كانت ترد من الاشتراكات الشهرية للأعضاء (في الداخل والخارج) ومن الاستثمار بالشقق بدولة إقليمية وفق الاعترافات، ويصل مجموع الأموال المتأتية من هذه المصادر سنوياً نحو 1.9 مليون دينار، وفق التقديرات الأولية الناجمة عن التحقيقات.
وكانت الأموال التي يتم جمعها وصرفها بشكل غير قانوني تستخدم لغايات سياسية وخيرية ذات مآرب سياسية، إذ كانت تُصرف على أحد الأحزاب وعلى الأدوات والأذرع والحملات الإعلامية وعلى الفعاليات والاحتجاجات، والتدخل في الانتخابات النقابية والطلابية، وصرف مرتبات شهرية لبعض السياسيين التابعين للجماعة وعلى حملاتهم الدعائية.
وكانت الحكومة الأردنية قررت في أبريل الماضي حظر كافة نشاطات “ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين”، واعتبار أي نشاط لها عملا مخالفا للقانون ويُوجب المساءلة. ونص القرار الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية، على تسريع عمل لجنة الحل المكلّفة بمصادرة ممتلكات الجماعة، سواء المنقولة أو غير المنقولة، وفقا للأحكام القضائية ذات العلاقة.
وجاء قرار حظر الجماعة على خلفية ما كشفت عنه دائرة المخابرات العامة الأردنية عن خلية إخوانية تقوم بتصنيع صواريخ وأسلحة داخل البلاد، وتتلقى تدريبات خارجية، بغرض المس بالأمن القومي الأردني وزعزعة استقرار المملكة.