مراجعة اتفاقية المياه بين سوريا والأردن تمهد لشراكات أوسع

وكالة أنباء حضرموت

 تعكس مراجعة اتفاقية تقاسم مياه حوض اليرموك بين سوريا والأردن تحولا لافتا في مقاربة البلدين لملف إستراتيجي طالما شكّل بؤرة توتر.

وفي ظل تفاقم أزمات المياه، تبدو الخطوة محاولة لإعادة ضبط التوازن في توزيع الموارد، وفتح الباب أمام تعاون أوسع يتجاوز البُعد المائي إلى أبعاد اقتصادية وأمنية إقليمية.

ويُنظر إلى هذا التحرك كفرصة نادرة لتصحيح إرث من التجاوزات، وبناء أرضية مشتركة لمواجهة تحديات متزايدة بفعل تغيّرات المناخ والسياسة.

وفي 8 يوليو الجاري، عقدت اللجنة الفنية الأردنية – السورية المشتركة في منطقة سد الوحدة على الحدود بين البلدين اجتماعها الأول.

وقالت وكالة الأنباء الأردنية إن الاجتماع عقد بحضور أمين عام سلطة وادي الأردن هشام الحيصة (رئيس اللجنة الأردنية للمياه)، ومعاون وزير الطاقة السوري أسامة أبوزيد (رئيس اللجنة السورية).

ونقلت عن عمر سلامة مساعد الأمين العام لشؤون الإعلام في وزارة المياه الأردنية قوله إنه جرى الاتفاق على بعض النقاط المشتركة لضمان توزيع المياه بشكل عادل في حوض اليرموك.

وأوضح سلامة، أنه تم التوافق على “تطوير حوض نهر اليرموك وتنفيذ مشاريع مشتركة بين الجانبين، ومراقبة مصادر المياه والتحكم فيها عن بعد.”

ونهر اليرموك هو أحد أكبر الروافد في الأردن، ويبلغ طوله 57 كلم، منها 47 كلم داخل الأراضي السورية، والباقي يقع في المملكة.

وينبع نهر اليرموك من بحيرة المزيريب في مدينة درعا جنوبي سوريا، ثم يتدفق ليشكل جزءا من الحدود السورية الأردنية، إذ تغذيه أيضا بعض الروافد كوادي الرقاد في الجولان السوري المحتل.

وقال الخبير الأردني حسام عايش إن مراجعة الاتفاقية المائية بين بلاده وسوريا تصب في المصلحة المشتركة للبلدين.

وأضاف عايش أن “سوريا تعاني من مشكلات مائية بعد تدمير البنية التحتية (إثر الحرب في عهد نظام الأسد المخلوع)، وبالتالي أثر ذلك على التزود المائي.”

وتابع “الأردن واحد من أفقر الدول مائيا في العالم، وبالتالي فإن مراجعة الاتفاقية أنقذ البلدين، لأن المياه كانت واحدة من أهم أسباب الخلاف بين الأردن والنظام السوري السابق، إلى جانب إدخال المخدرات والسلاح.”

وتعود تلك الخلافات إلى عهد النظام السوري السابق الذي ارتكب خروقات حيال تدفقات مياه حوض اليرموك للأردن، بموجب الاتفاقية الموقّعة بين البلدين عام 1957، وتم تعديلها في 1987.

وتمثلت تلك الخروقات في بناء قرابة 50 سدا وخزانا على روافد نهر اليرموك، رغم أن الاتفاقية الثنائية تنص على السماح ببناء 27 سدا فقط.

كما جرى حفر نحو 10 آلاف بئر في منطقة الحوض، ما أدى إلى تراجع تدفقات المياه من نهر اليرموك إلى أقل من 50 مليون متر مكعب سنويا، وسط تقديرات أشارت إلى التوافق على ضمان تدفقات أكثر من 200 مليون متر مكعب عند توقيع الاتفاقية.

وأشار الخبير الأردني إلى “تحسن مستمر في تدارك هذه الملفات خلال جلسة المراجعة الأولى، لاسيما الملف المائي.”

وتابع “مراجعة الاتفاقية أعادت سد الوحدة لدوره الجامع بين البلدين، ووفّرت الظروف لعودة نهر اليرموك إلى مستوياته الاعتيادية.”

الخلافات تعود إلى عهد النظام السوري السابق الذي ارتكب خروقات حيال تدفقات مياه حوض اليرموك للأردن

وأكد الخبير على ضرورة مراجعة “جدوى السدود التي أقامها النظام السوري البائد على نهر اليرموك وروافده، والتي أثرت على حصة الأردن.”

وأفاد أن “خروقات النظام السابق كلفت الأردن خسارة مائية تقدر بنحو 200 مليون متر مكعب سنويا، ما أدى إلى خسائر مادية لحقت بالمملكة أثناء بحثها عن حلول بديلة.”

ولفت إلى أن مراجعة الاتفاقية سوف تغطي جزءا مهما من العجز المائي، لاسيما أن إمكانيات الأردن وصلت مرحلة الخطر بسبب انخفاض حصة الفرد من الماء إلى 60 متر مكعب في السنة، فيما يتوقف خط الفقر المائي بالعالم عند عتبة 500 متر مكعب.

وشدد عايش على أن “انخفاض حصة الفرد من الماء في الأردن يشكل ضغطا على أوضاع المواطنين المعيشية والاقتصادية، ويحمّلهم أعباء هائلة.”

ونوّه الخبير الأردني ببداية “تقاسم عادل ومنصف للمياه، بعد وقف عمل الآبار التي تم حفرها من الجانب السوري خارج نطاق الدولة.”

الحكومة السورية الجديدة عمدت إلى ضبط الأوضاع نسبيا، فأصدرت عدة قرارات بمنع حفر الآبار غير المرخصة، وتوعدت بإجراءات حاسمة

وعبر السنوات الماضية، انخفض منسوب جريان نهر اليرموك جراء حفر آلاف الآبار الجوفية في حوضه، وزيادة السدود على مجاري النهر من الجانب السوري.

وعمدت الحكومة السورية الجديدة إلى ضبط الأوضاع نسبيا، فأصدرت عدة قرارات بمنع حفر الآبار غير المرخصة، وصادرت عدة آليات، وتوعدت بإجراءات حاسمة.

وحذر عايش من أن “الوضع المائي في الأردن خطير، إذ لا توجد فيه مصادر مائية، وهذا يضغط على صانع القرار السياسي والاقتصادي.”

ورجح أن تفتح مراجعة الاتفاقية أبوابا جديدة لتفاهمات أخرى بين البلدين في عدة مجالات، لاسيما الطاقة التي ستخدم النمو الاقتصادي لدى الجانبين.

ودعا الخبير إلى جعل حوض اليرموك “منطقة حرة” بين البلدين، من أجل الوصول إلى تقاسم عادل للثروة المائية.

وتتراوح حصة الفرد من الماء المستهلك للأغراض المنزلية في الأردن، وفقا لتصريحات رسمية سابقة، ما بين 80 إلى 120 لترا يوميا، بينما تبلغ حصة الفرد السنوية لجميع الاستخدامات أقل من 100 متر مكعب، وهو ما يمثل أقل من 10 في المئة من خط الفقر المائي العالمي، الذي تُقدره الأمم المتحدة بحوالي 1000 متر مكعب للفرد في السنة.

ويكشف التقرير السنوي الأخير الصادر عن وزارة المياه والري الأردنية في 2024، عن بلوغ التدفق السنوي من نهر اليرموك إلى سد الوحدة في 2023 نحو 23.73 مليون متر مكعب، ليسجل انخفاضا في 2024 إلى 14.47 مليون متر مكعب فقط.

كما بلغ مخزون السد في 2023 حوالي 3.85 مليون متر مكعب، مع تسجيل انخفاض أكبر في هذا المخزون خلال 2024.

وبدوره اعتبر الباحث السوري بالشأن الاقتصادي جلال بكار مراجعة الاتفاقية “دليلاً على أن الحكومة السورية تتجاوب مع دول الجوار كمصدر أمان ومنصة لوضع حلول للمشاكل التي ورثها شعبنا عن نظام الأسد.”

وفي معرض وصفه لأهداف الاتفاقية، قال الخبير السوري إنها “تسعى لتحقيق العدالة، وتجاوز العقبات إبان عهد النظام المخلوع مثل حفر الآبار، والتدخلات غير القانونية.”

ورجّح الخبير أن تسهم مراجعة الاتفاقية في تحسين التعاون بين سوريا والأردن، وتحقيق مستقبل واعد في المنطقة.

وأشار إلى أن المراجعة “قد تفتح الباب أمام تحسن إقليمي في المنطقة، في ظل وجود حكومة سورية منفتحة على علاقات جيدة مع دول الجوار، ومعنية بحل كافة القضايا العالقة بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.”

والثلاثاء الماضي، قالت وزارة الإعلام السورية، إن الجانبين اتفقا على إعداد دراسة لتقييم اتفاقية 1987 حول استثمار مياه النهر بين البلدين، بما يتماشى مع المستجدات المناخية.

وفي 20 مايو الماضي، وقّع وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني ونظيره الأردني أيمن الصفدي في دمشق، مذكرة تفاهم بشأن إنشاء وتفعيل مجلس التنسيق الأعلى، والذي اتفق البلدان على تأسيسه في أبريل الماضي.

وتناول الجانبان حينها، اتفاقية المياه “بما يراعي الحقوق المائية العادلة لكلا البلدين، إضافة إلى تفعيل عمل اللجان المشتركة بين الجانبين،” وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”.

ويرتبط الأردن مع جارته الشمالية سوريا بحدود طولها 375 كلم، ما جعل المملكة من بين الدول الأكثر تأثرا بالحرب التي شنها نظام بشار الأسد على السوريين (2011 – 2024).